تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان الإحساس بافتقاد الخطبة في صحيح البخاري مجال أخذ ورد عند كثير من العلماء؛ لما للكتاب من منزلة خاصة في توثيق السنة النبوية وجلائها في تاريخ الإسلام. ولحاجتهم إلى الكشف عن منهجه في تصيح الأحاديث. وخاصة حين وُجدتْ في صحيح الإمام مسلم (261هـ) وطالتْ وأفادتْ، ومسلم تلميذه، ولم يعش بعده إلا مدة ست سنوات.

ولاشك أن رسوخ المقدمة في مناهج التأليف عند المسلمين، والحاجة إلى الكشف عن منهجه ومقاصده، وبيان ظروف تأليف، من الأمور التي جعلت العلماء يفتقدون المقدمة في كتاب صحيح البخاري بشكل خاص؛ فكان التساؤل على امتداد الشروح لصحيحه في التاريخ، وكان الاعتراض، وكانت التبريرات والأعذار، وتعددت وجهات النظر.

فما كانت غاية الإمام البخاري من وضع حديث " إنما الأعمال بالنيات" في أول كتابه؟ وهل استعاض بهذا الحديث عن الخطبة؟

ب - اعتبار حديث " إنما الأعمال بالنيات" هو الخطبة

ساد الرأي عند أغلب العلماء أن الإمام البخاري أقام حديث " إنما الأعمال بالنيات" في بداية الصحيح مقام خطبة الكتاب. ويبدو أن هذه الحقيقة كانت معروفة عند شيوخ البخاري، أو على عهد شيوخه على أقل تقدير.

ورد في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (463هـ): " أنا محمد بن أحمد بن يعقوب، أنا محمد بن نعيم، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ يقول: سمعت محمد بن سليمان بن فارس يقول:

سمعت محمد بن إسماعيل يقول – يعني: البخاري – مَن أراد أن يؤلف كتابا فليبدأ بحديث: " إنما الأعمال بالنيات" [27].

جاء في كتاب الأذكار من كلام سيد الأبرار للنووي (يحيى بن شرف الدين (676هـ): أن السلف ومن تبعهم من الخلف رحمهم الله تعالى، يستحبون استفتاح المصنفات بهذا الحديث "إنما الأعمال بالنيات" تنبيها للمُطالع على حسن النية واهتمامه بذلك والاعتناء به. يقول:"وروينا عن الإمام أبي سعيد عبد الرحمن بن مَهدي [198هـ] رحمه الله تعالى: مَن أراد أن يُصنف كتاباً فليبدأ بهذا الحديث.

وقال الإمام أبو سليمان الخطابي [388هـ]: كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون تقديم حديث الأعمال بالنية أمام كل شيء يُنشاُ ويُبتدأ من أمور الدين لعموم الحاجة إليه في أنواعها " [28].

وقال ابن بطال (علي بن خلف بن عبد الملك 449هـ القرطبي ثم البلنسي) في شرحه لصحيح البخاري:" وإنما قدَّم البخاري رحمه الله حديث الأعمال بالنيات في أول كتابه؛ ليُعلم أنه قصد في تأليفه وجهَ الله عز وجل، ففائدة هذه المعنى، أن يكون تنبيهاً لكل مَن قرأ كتابَه، أن يَقْصد وجه الله تعالى، كما قصده البخاري في تأليفه.

وجعل هذا الحديث في أول كتابه عوضاً من الخطبة التي يَبدأ بها المؤلفون. ولقد أحسن العِوض من عوَّضَ من كلامه كلامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ما ينطق عن الهوى" [29].

وروى ابن بطال قول أبي عبد الله الفخار (محمد بن عمر القرطبي 419هـ):"إنما ذُكِر هذا الحديث في هذا الباب لأنه متعلق بالآية التي في الترجمة، والمعنى الجامع بينهما أن الله عز وجل أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم وإلى الأنبياء قبله أن الأعمال بالنيات، والحجة لذلك قول الله عز وجل: (وما أُمروا إلاَّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويُقيموا الصلاة ويُتوا الزكاة وذلك دين القيمة) [البينة: 5].

وقال تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصَّى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصَّيْنا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين) [الشورى: 13] [30].

جاء في فتح الباري:" وقال ابن رُشَيْد [محمد بن عمر 721هـ]: لم يقصد البخاري بإيراده سوى بيان حسن نيته في هذا التأليف ( ... ) وقد قيل: إنه أراد أن يُقيمه مقام الخطبة للكتاب، لأن في سياقه أن عمر قاله على المنبر بمحضر الصحابة، فإذا صلح أن يكون في خطبة المنبر صلح أن يكون في خطبة الكتاب" [31].

وأتى الدماميني (827هـ)، في شرحه لصحيح البخاري، بقول ابن بطال، وأضاف:" ولعل هذا هو السر في إيراد الحديث في هذا المحل مختصراً؛ وذلك لأنه لما أورده مورد الخطبة، اقتضت المناسبة ذكره بالطريق الذي وقع فيها مختصراً؛ إذ التحقيق في الخطبة مطلوب " [32].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير