تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالتحميد تُفتتح به الكتب والخطب والرسائل على السواء. وقولهم لقد تعذَّر استعمال التحميد لأنه إنْ قُدِّم على التسمية خولف فيه العادة، وإنْ ذُكر بعدها لم يقع به البداءة. قال: " وقولهم أيضاً تعذَّرَ استعماله ( ... ) كلام مَن ليس له ذوق من الإدراكات؛ لأن الأولية أمر نسبي؛ فكل كلام بعده كلام هو أول بالنسبة إلى ما بعده " [43].

الثاني: أن الافتتاح بالتحميد محمول على ابتداآت الخُطب دون غيرها، زجراً عما كانت الجاهلية عليه من تقديم الشعر المنظوم والكلام المنثور؛ لما روي أن أعرابيا خطب فترك التحميد فقال عليه السلام " كل أمر" الحديث.

والرد: أن الأمر فيه نظر؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

الثالث: أن حديث الافتتاح منسوخ بأنه عليه السلام لما صالح قريشاً عام الحديبية كتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو. فلولا النسخ لما تركه.

الرد: " هذا أبعد الأجوبة لعدم الدليل على ذلك. لِمَ لا يجوز أن يكون الترك لبيان الجواز"؟

الرابع: أن كتاب الله عز وجل مُفتتح بها، وكتُب رسوله عليه السلام مبتدأة بها، فلذلك تأسَّى البخاري بها.

الرد: لا يلزم من ذلك تركُ التحميد، ولا فيه إشارة إلى تركه.

الخامس: أن أول ما نزل من القرآن اقرأ و" يا أيها المدثر"، وليس في ابتدائهما حمدٌ لله، فلم يجز أن يأمر الشارع بما كتب الله على خلافه.

الرد:" هذا ساقط جداَ لأن الاعتبار بحالة الترتيب العثماني لا بحالة النزول؛ إذ لو كان الأمر بالعكس لكان ينبغي أن يَترك التسمية أيضا ".

السادس: إنما تركه لأنه راعى قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تُقدموا بين يدي الله ورسوله)، فلم يٌقدم بين يدي الله ولا رسوله شيئاً، وابتدأ بكلام رسوله عوضاً عن كلام نفسه.

الرد:" الآتي بالتحميد ليس يُقدِّم شيئاً أجنبيا بين يدي الله ولا رسوله، وإنما هو ذكْرُه بثنائه الجميل لأجل التعظيم، على أنه مقدم بالترجمة، ويسوق السند وهو من كلام نفسه. فالعجب أن يكون بالتحميد الذي هو تعظيم الله تعالى مقدما ولا يكون ولا يكون بالكلام الأجنبي" [44].

السابع: أن الذي اقتضاه لفظ الحمد أن يُحمد لا أن يَكتبه. والظاهر أنه حمد بلسانه.

الرد: " يلزم على هذا عدم إظهار التسمية مع ما فيه من المخالفة لسائر المصنفين ".

والتبرير الذي ذهب إليه البدرعيني هو ما سمعه من بعض أساتذته، وهو أن الحمد بعد التسمية سقط من بعض المبيضين فاستمر وضع الكتاب على ذلك، أي أن ذلك كان بفعل النساخ. والله تعالى أعلم.

ويلاحظ على ردود البدرعيني ما يلي:

أولا: أنه لم يقبل من تلك الأعذار شيئا.

ثانيا: عباراته وردوده لا تخلو من سخرية وعنف: - اعتذروا عن البخاري بأعذار هي بمعزل عن القبول – هذا كلام واهٍ جدا - كلام من ليس له ذوق من الإدراكات – هذا ساقط جدا – ليس بشيء.

ثالثا: تكاد ردوده تكون مباشرة على ابن حجر.

وقال المرابط الدلائي (محمد بن محمد بن أبي بكر 1089هـ/1678م) في كتابه " نتائج التحصيل في شرح كتاب التسهيل ":" كثير من فحول الأئمة المحققين لا يُصدِّر كتابه بخطبة تُنبئ عن مقاصد كتابه مبدوءةً بالحمد والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما صنَع البخاري وابن الحاجب وغيرُهما؛ اقتداءً بالكتاب العزيز، وحديث " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع (…) يُحمل على نُطقهم به حالة التصنيف اكتفاءً بكتابة البسملة المُرتب عليها أسماء الصفات" الرحمن الرحيم" ولا يُعنَى بالحمد إلاَّ ذلك؛ لأنه الوصف بالجميل على وجه التعظيم.

كيف وفي جامع الخطيب" لا يُبدأُ فيه ببسم الله فهو أقطع" (…) ولا يُنافيه حديث" بالحمد لله"؛ لأن معناه الافتتاحُ بما يدل على المقصود من حمد الله تعالى والثناء عليه، لا أن لفظ الحمد مُتعَيَّنٌ لآن القدر الجامع إنما هو ذكر الله وقد حصل بالبسملة، لا سيما وأن أول شيء نزل من (اقرأ باسم ربك) بطريق التأسي بالكتاب العزيز الابتداء بالبسملة، مُقتصر عليها" [45].

وفيه " وأُيِّد بأن عامة كتبه صلى عليه وسلم إلى الملوك مفتتحة بها دون الحمد، وحينئذ فكأنهم أجروا مجرى الرسائل إلى أهل العلم.

قيل: ويُحتمل أن يُقال: إنما لم يبدأ بالحمد اقتداءً به صلى الله عليه وسلم في إظهار العجز في مقام الحمد، حيث قال:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير