تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا الذي دلت عليه تطبيقات السلف في عشرات المسائل وقد تتبعتها بفضل الله، وسيأتي ذكر جملة منها ليست بالقليلة، وسبحان الله لم يمر بي مثال واحد يناقض المفهوم الذي أشرت إليه وسيأتي تفصيله، بينما جل التطبيقات ويكاد كلها تتنافى مع مفهوم الأستاذ وتدل على بطلانه وبعده عن مذهب السلف وأهل العلم

والمعلوم الذي لا خلاف فيه أنه كلما كان الأصل سليما كانت التطبيقات تابعة له وشاهدة بسلامته وكلما كان الأصل باطلا كانت التطبيقات الصحيحة كاشفة لبطلانه منافرة له

ومن شدة ظهور المعنى المذكور من خلال تطبيقات السلف وحدها والعلماء من بعدهم كدت أن أكتفي بسردها فقط دون تعليق لتتجلى الحقيقة للقارئ.

ولكن لاختلاف مستويات الناس وحاجة بعضهم بل كثير منهم لمثل هذا التبسيط ضممت لها هذه التوضيحات وما سيأتي من تعريفات ونحوها.

وإني أجد نفسي موقنة مطمئنة والله للمفهوم الذي أشرت إليه هنا وسأوضحه بالتعريفات والضوابط التي سأذكرها، مصحوبة بالأمثلة الجلية والتي استقيتها من كتب الأئمة، معتمدا على عبارات السلف أنفسهم في توضيحها كمالك وأحمد وغيرهما، وعبارات الأئمة المعروفين بالتحقيق والتخصص في هذا الباب، من أمثال الطرطوشي وأبي شامة وابن تيمية والشاطبي (رائد علم المقاصد) وابن الحاج صاحب المدخل وابن رجب وابن كثير وغيرهم

فلا خلاف بين السلف جميعا في مفهوم البدعة وإن اختلفوا في بعض الأمثلة.

وعلى كل ألخص لإخواني الكرام شيئا مما يضبط التعامل مع المخالف في هذا الباب وأيضا شيئا مما يتعلق بتمييز وتوضيح ما يسوغ فيه الخلاف مما لا يسوغ في هذه المسألة.

ـ فأولا لابد من التسليم بأن مذهب السلف في البدعة واحد وأصلهم وضابطهم واحد.

ـ أن المعنى المتفق عليه بين السلف دون خلاف وبإجماع منهم يتمثل في التالي:

أـ أن كل محدثة في الدين (البدعة الشرعية وليست اللغوية) بدعة ضلالة ولا شيء منها حسن ولا ممدوح.

ب ـ أن تخصيص العبادات بأحد المخصَّصات التالية دون دليل من سنة أو أثر تكون به العبادة بدعة مردودة

من (زمن أو كيفية أو مكان أو عدد أو حال يعني سبب أو جنس)

ج ـ أن البدعة مراتب يختلف الموقف من صاحبها بحسب رتبتها، وتمييزُ مراتبها إنما هو للمتخصصين من أهل العلم

وسيأتي توضيح هذا مفصلا بأدلته وأمثلته

طبعا من قال بهذا الأصل الذي اتفق عليه السلف فلا ينكَر عليه وإن خالف في تطبيق بعض الجزئيات.

كمن يرى بمسح الوجه بعد الدعاء يظن صحة الحديث، أو من باب تحسين الظن بالحسن البصري وأنه يغلب على الظن أنه أخذه عن الصحابة

فهذا الفعل وأمثاله لو صدر من أحد فإنه يبين له دون إنكار إلا إذا صاحب جوابه ما يوجب الإنكار فذلك بحسبه

ويعامل هذه المعاملة من الاكتفاء ببيان ما يخالف فيه من جزئيات ولو تعددت منه دون الإنكار إلا عند قيام موجبه من أمور أخرى.

فإن كثرت الجزئيات التي يخالف بها قاعدة السلف بحيث تشير هذه الكثرة في مخالفة الجزئيات إلى مخالفة حقيقية للقاعدة أو استناد إلى هوى سبّب في عدم التقيد بالقاعدة فإنه يكون عندئذ في حكم من خالف القاعدة فيتعين الإنكار

يقول الإمام الشاطبي رحمه الله:

" ويجري مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة كما تصير القاعدة الكلية معارضة أيضا وأما الجزئي فبخلاف ذلك بل بعد وقوع ذلك من المبتدع له كالزلة والفلتة وإن كانت زلة العالم مما يهدم الدين حيث قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يهدمن الدين: زلة العالم وجدال منافق بالقرآن وأئمة مضلون ولكن إذا قرب موقع الزلة لم يحصل بسببها تفرق في الغالب ولا هدم للدين بخلاف الكليات

فأنت ترى موقع اتباع المتشابهات كيف هو في الدين إذا كان اتباعا مخلا بالواضحات وهي أم الكتاب وكذلك عدم تفهم القرآن موقع في الإخلال بكلياته وجزئياته " ا. هـ

فأهل العلم يفرقون بين مَن يوافق على القاعدة التي قررها السلف في مفهوم البدعة الشرعية، ثم يخطئ في بعض الجزئيات

كأن يقول بجواز القراءة أحيانا على القبر أو يقول بالسبحة أو التعريف يوم عرفة أو بمسح الوجه بعد الدعاء مع اعتقاده بأن كل بدعة في الدين ضلالة لكنه أخطأ في جزئية من هذه الجزئيات أو أكثر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير