وكتاب فتح الغفور لم أقف عليه كاملا وإنما على جزء منه في ملتقى أهل الحديث ومنه نقلت النقلين الأخيرين
وقد نص شيخ الإسلام على أن هذا القول وهو المنع من القراءة على القبور هو الذي رواه عن أحمد أكثر أصحابه، وإن كان كثير من المتأخرين من الحنابلة أخذوا بالرواية الأخرى لكن أكثر الروايات عن أحمد بالمنع
والذي يهمنا قول أحمد نفسه لا ما اختاره من جاء بعده فلا خلاف من حيث واقع الرواية أن أكثر الروايات عن أحمد بالنهي أو المنع أو كراهة القراءة على القبور لا الجواز، وإن كان الجواز هو رواية عنه لم تصح إلا من طريق ابنه عبد الله كما سأبين
وأيضا أهل العلم اختلفوا في المترجح نقله عن أحمد من بين هذه الروايات، فمنهم من ذهب إلى المنع أو الكراهة وهم قدماء أصحابه كأبي بكر المروذي وعبد الوهاب الوراق وغيرهما، وهذا رأي معتبر في نقل قول أحمد كيف لا وهو الأصح عن أحمد رواية.
حتى أنه نُقل عن أحمد القول بأنه إن صليت الجنازة في المقبرة فلا تقرأ فيها الفاتحة
ومنهم من ذهب إلى الجواز، ومنهم من فصّل بين وقت الدفن فنقلوا الجواز ووقت ما بعد الدفن فقالوا بالمنع
قال شيخ الإسلام في الفتاوى:
" ولهذا لم يقل أحد من العلماء بأنه يستحب قصد القبر دائما للقراءة عنده إذ قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن ذلك ليس مما شرعه النبي صلى الله عليه و سلم لأمته لكن اختلفوا في القراءة عند القبور هل هي مكروهة أم لا تكره والمسألة مشهورة وفيها ثلاث روايات عن أحمد:
إحداها: أن ذلك لا بأس به وهي اختيار الخلال وصاحبه وأكثر المتأخرين من أصحابه وقالوا هي الرواية المتأخرة عن أحمد ...
والثانية: أن ذلك مكروه حتى اختلف هؤلاء هل تقرأ الفاتحة في صلاة الجنازة إذا صلى عليها في المقبرة وفيه عن أحمد روايتان.
وهذه الرواية هي التي رواها أكثر أصحابه عنه وعليها قدماء أصحابه الذين صحبوه كعبد الوهاب الوراق وأبي بكر المروزي ونحوهما وهي مذهب جمهور السلف كأبي حنيفة ومالك وهشيم بن بشير وغيرهم ولا يحفظ عن الشافعي نفسه في هذه المسألة كلام لأن ذلك كان عنده بدعة وقال مالك ما علمت أحدا يفعل ذلك
فعلم أن الصحابة والتابعين ما كانوا يفعلونه
والثالثة: أن القراءة عنده وقت الدفن لا بأس بها كما نقل ابن عمر رضي الله عنهما وعن بعض المهاجرين وأما القراءة بعد ذلك مثل الذين ينتابون القبر للقراءة عنده فهذا مكروه فإنه لم ينقل عن أحد من السلف مثل ذلك أصلا
وهذه الرواية لعلها أقوى من غيرها لما فيها من التوفيق بين الدلائل والذين كرهو القراءة عند القبر كرهها بعضهم وإن لم يقصد القراءة هناك كما تكره الصلاة فان أحمد نهى عن القراءة في صلاة الجنازة هناك ا. هـ هذا الكلام بطوله لشيخ الإسلام.
فلا أدري لماذا أخفى الأستاذ كل هذه الروايات ولم يلمح إليها البتة ولو إشارة، بل أوهم بعرضه للكلام أن أحمد لم يقل إلا بالجواز، بينما أكثر الروايات عنه خلاف ذلك وهي أصح رواية بلا خلاف مع الرواية الثالثة التفصيلية، وهذا تصرف لا يمت إلى الأمانة العلمية بصلة فإلى الله المشتكى من هذه الانتهاكات العلمية الصارخة.
هذا بالنسبة إلى ما فعله الأستاذ مع قول أحمد من بتر.
أما غير أحمد في هذه المسألة فقد أخفى الأستاذ أقوالهم بل حرص على تصوير أنه لا أحد يقول بما يقول به مخالفه، وهذه والله كاشفة فقد سبق قول شيخ الإسلام عن رواية المنع:
" وهي مذهب جمهور السلف كأبي حنيفة ومالك وهشيم بن بشير وغيرهم ولا يحفظ عن الشافعي نفسه في هذه المسألة كلام لأن ذلك كان عنده بدعة وقال مالك ما علمت أحدا يفعل ذلك
فعلم أن الصحابة والتابعين ما كانوا يفعلونه " ا. هـ
سبحان الله أبو حنيفة ومالك وأكثر الروايات عن أحمد والمشهور عن الشافعي وجمهور السلف على المنع من القراءة على القبور ثم يأتي الأستاذ ويلتقط إحدى الروايات عن أحمد ثم يشيد بها ويهمل كل هذه الأقوال بل ويصور للقارئ أنه لا يوجد ما يخالف ما نقله
إن لم يكن هذا عبث في العلم وقلة أمانة واستخفاف بالغير فماذا سيكون؟
قال في منح الجليل شرح مختصر خليل من كتب المالكية، وسأنقل ما نقله عن مالك فقط:
¥