أما انتقائية الأستاذ في مواقف الأئمة فالأمر فيه أظهر، حيث كان بصورة ظاهرة يحتج بأحدهم في مثال ويشنع عليه بطريقة غير مباشرة في مثال آخر، حتى أن جل مَن ذَكَرهم لا يوافقونه في أكثر الأمثلة التي ساقها ولا يوجد واحد منهم يوافقه في كل ما مثّل به، ناهيك عن تطبيقاتهم أعني هؤلاء الذين احتج بهم، فجل تطبيقاتهم تناقض مذهب الأستاذ نقضا واضحا وهذا يكشف لك حقيقة إخلال الأستاذ بأمانة العلم كأقوال أحمد والشافعي والعز بن عبد السلام وأبي شامة وابن تيمية وابن رجب والسيوطي وأبين هذا بما يلي
أما أقوال أحمد وتطبيقاته في البدعة التي تبين حقيقة مذهبه والأمثلة الصريحة التي تَنقُض وتبطل ما نسبه إليه الأستاذ وألصقه به فهي كثيرة جدا، فإليك أخي الكريم بعض ما انتشلناه من تلك الموؤودات
ـ قال الإمام أحمد:
" أُصُولُ السُّنَّةِ عِنْدَنَا: التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ، وَتَرْكُ الْبِدَعِ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ فَهِيَ ضَلَالَةٌ " ا. هـ
فأحمد يرى كل بدعة (شرعا) ضلالة خلافا لما قرره الأستاذ وألصقه بأحمد
ـ قَالَ: مُهَنَّا: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يَجْلِسُ إلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُو هَذَا وَيَدْعُو هَذَا، وَيَقُولُونَ لَهُ: اُدْعُ أَنْتَ.
فَقَالَ [أحمد]: لَا أَدْرِي مَا هَذَا؟ " ا. هـ
لماذا لم يجوز ذلك أحمد؟ أليس الدعاء قد أمرت به النصوص العامة؟
فإذا كان أحمد كما يصور الأستاذ فلماذا لم يسوغ هذا؟
ويوضحه بقية ماجاء في المسألة
" قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّه (أحمد):
يُكْرَهُ أَنْ يَجْتَمِعَ الْقَوْمُ يَدْعُونَ وَيَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ؟
فَقَالَ: مَا أَكْرَهُهُ لِلْإِخْوَانِ إذَا لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى عَمْدٍ إلَّا أَنْ يَكْثُرُوا.
قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا مَعْنَى إلَّا أَنْ يَكْثُرُوا إلَّا أَنْ يَتَّخِذُوهَا عَادَةً حَتَّى يَكْثُرُوا ا. هـ
فأجاز أحمد الاجتماع العارض للدعاء أما المداومة الدالة على التخصيص فهو لا يراه ويكرهه بنص كلامه
قال ابن مفلح:
" قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَقَيَّدَ أَحْمَدُ الِاجْتِمَاعَ عَلَى الدُّعَاءِ إذَا لَمْ يُتَّخَذْ عَادَةً " ا. هـ
فتأمل
وفي الشرح الكبير لابن قدامة
" قال أحمد ولا يقول خلف الجنازة سلم رحمك الله فإنه بدعة " ا. هـ
لماذا؟ أليس دعاء مشروعا في أصله؟ لماذا بدعه؟ فتأمل أخي الكريم لتعلم البدعة عند أحمد وأنه لا يرى العمل بالنص العام كافيا في مثل هذه المواطن
ـ وفي مسائل الإمام أحمد بن حنبل وابن راهويه:
قلت التطريب في الأذان؟
قال: " كل شيء محدث " كأنه لم يعجبه.
قال إسحاق كما قال لأنه بدعة
ـ وفي مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله
قال سألت ابي عن القراءة بالألحان
فقال محدث إلا أن يكون طباع ذلك يعني الرجل طبعه كما كان ابو موسى الاشعري
قال الخلال:
أخبرني محمد بن جعفر، أن أبا الحارث، حدثهم أن أبا عبد الله قيل له: القراءة بالألحان والترنم عليه؟ قال: «بدعة، قيل له: إنهم يجتمعون عليه ويسمعونه، قال: الله المستعان»
وقال الخلال:
وأخبرني محمد بن أبي هارون، أن إسحاق، حدثهم قال: قال لي أبو عبد الله يوما وكنت سألته عنه: هل تدري ما معنى: «من لم يتغن بالقرآن فليس منا»؟ قال: يرفع صوته، فهذا معناه: إذا رفع صوته فقد تغنى به. سألت أحمد بن يحيى النحوي ثعلب عن قوله: ليس منا من لم يتغن بالقرآن؟ فقال ذهب بعضهم: إلى أنه الغناء، يترنم به. وبعضهم يذهب إلى الاستغناء، وهو الذي عليه العمل. . «
وذكر عن أنس، وعن التابعين، فيه كراهية،
¥