فليس هذا والله سبيل أهل الإيمان، بل حكاه تعالى عن أصحاب الزيغ عندما قال: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)
ثم لا يوجد باطل في الدنيا إلا وأهله يؤيدونه بما يظنونه دليلا، فمجرد إيراد ما ظاهره أنه دليل لا يعني شيئا حتى تثبت دلالته الصحيحة بل حتى الكفر الصراح هناك من يستدل له بآيات وأحاديث يظنها صاحبها تدل على مراده
فأن يترك الواحد منا النصوص الأكثر والمتوافرة والمجتمعة على معنى واحد والواضحة ثم يأتي لنص محتمل أو اثنين ويأخذ به دون التفات لتلك النصوص فهذا هو قطعا اتباع المتشابه الذي وصف الله به أهل الزيغ، وقد أخبر الله في كتابه وعلى لسان رسوله أنه تعالى لحكمة لم يجعل كل النصوص محكمة واضحة جلية ليتبين من يتبع هواه ويستند في تغطيته بالمتشابه ومن يسلم لمراد الله ولا يستغل المتشابهات والله الهادي إلى سواء السبيل
ـ ذكر الأستاذ عن علي بن الحسين أنه كان يصلي في اليوم ألف ركعة يركع ركعتين عند كل نخلة حتى ينتهي من بستانه الذي فيه خمسمائة نخلة
طبعا لم يعز القصة إلى كتاب وهي قصة موضوعة لا يصدقها مع تأملها عاقل.
إذ يلزم من صلاة ألف ركعة في اليوم أنه يصرف يوميا من الوقت في أقل تقدير، وعلى ضوء أخف ركعتين، بأقصر سور، وبالاقتصار على تسبيحة واحدة في الركوع والسجود، يلزم أنه يصرف في هذا ما لا يقل عن قرابة واحد وعشرين ساعة تقل قليلا.
وهذه بالمساعدة إذ لا يمكن صلاة ركعتين شرعيتين في أقل من دقيقتين ونصف
ولم نحسب وقت التنقل بين كل نخلة وأخرى إذ في كل نقلة يكون فيها في حالة جلوس فيقف ويتجه إلى النخلة الأخرى ويأخذ مكانه عندها ويصلي وهكذا.
وهذا لو قدرناه في أقل تقدير بخمس ثوان في كل نقلة لكان المجموع أكثر من واحد وأربعين دقيقة، فقط تنقّل
ولم نحسب مشوار الذهاب والمجيء إلى البستان وسأساعد الأستاذ بالقول إنه يسكن في بستانه
فياترى رجل يمضي في اليوم واحدا وعشرين ساعة وهو يصلي!!
كم بقي لنومه؟ كم بقي لأكله؟ كم بقي للصلوات الخمس جماعة؟ كم بقي لحاجته البشرية؟ كم بقي لعلمه فقد كان مشتغلا بالعلم ورواية الأحاديث؟ كم بقي لمهنته واشتغاله برزقه؟ كم بقي لولده وأهله؟
والعجيب أن الأستاذ احتج بالقصة وبالغ في الاحتجاج بها مع عدم معرفته بصحة القصة وهذا يبين لك أن السياسة المتبعة لديه وأمثاله ممن لا يلتفتون للتحقيق والتثبت هي استفادته في تلك اللحظة فقط بالظهور أمام العامة بمظهر صاحب الدليل والحجة
وسبحان الله علق على الأثر بطريقة استخف فيها بمخالفيه فعليه أن يتعلم حتى لا يستخف بالناس ولو فيما كان فيه محقّا فكيف بما هو أحق بالإعابة به
تطبيقات السلف والأئمة التي تبين حقيقة البدعة عندهم:
وإليك أخي الكريم هذه التطبيقات للسلف الكرام من صحابة وتابعين وتابعيهم مضمومة إليها أقوال العلماء على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، وبالله قارن بين مفهوم البدعة عندهم أعني السلف على ضوء هذه التطبيقات وبين ما يحرص على طرحه مروجوا البدع ودعاة الانفلات البدعي ومدعوا أن البدعة لا تكون إلا فيما يخالف النصوص العامة
وتأمل في هذا الكم من الأمثلة وتساءل؟
هل يستطيع مخالفنا توجيه هذه التطبيقات على ضوء ما طرحه من مفهوم؟
عشرات العبادات والطاعات التي جاء الحث عليها في النصوص العامة قد حكم السلف ومن بعدهم ببدعيتها عندما خصصت بأوقات أو أمكنة أو أعداد أو كيفيات محدثة دون دليل خاص، فبماذا سيجيب مخالفنا وهو ينادي بخلاف هذه الأحكام ويلصقها بالسلف؟
هل يمكن أن يجيب ذلك الأستاذ عن هذه الأمثلة بأي جواب علمي فضلا عن أن يجيب بما يجعل هذه التطبيقات تدل على مفهومه الانفلاتي للبدعة؟
نترك الخيار للأستاذ و لمن وراءه ممن يُعِدّ له ويراجع أن يقفوا من هذه التساؤلات وهذه التطبيقات ما شاؤوا فنحن قد قمنا بما علينا وهم يعلمون ما عليهم أمام ربهم وكل مسؤول عند الله ومحاسب ولكن بحسب الموقف يكون الجزاء، وما الله بغافل عما نعمل، وعند الصباح يحمد القوم السراة
1ـ تخصيص العبادة بسبب أو حال دون دليل.
¥