وقال القشيري: ((والاستغفار جماعة على صوت واحد بعد التسليم من الصلاة بدعة. والسنة استغفار كل واحد في نفسه ثلاثاً، وقولهم بعد الاستغفار: يا أرحم الراحمين - جماعةً - بدعة، وليس هذا محل هذا الذكر))
فهذه بعض الأمثلة التطبيقية في التخصيص بالأسباب وإن يسر الله سأحرص على جمع المزيد منها إن دعت الحاجة
2ـ تخصيص العبادة بكيفية محدثة دون دليل
ـ قَالَ أَبُو مُوسَى الأشعري مخاطبا ابن مسعود رضي الله عنه:
يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّى رَأَيْتُ فِى الْمَسْجِدِ آنِفاً أَمْراً أَنْكَرْتُهُ، وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلاَّ خَيْراً. قَالَ: فَمَا هُوَ؟
فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ – قَالَ: – رَأَيْتُ فِى الْمَسْجِدِ قَوْماً حِلَقاً جُلُوساً يَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ، فِى كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِى أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً.
قَالَ ابن مسعود: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟
قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئاً انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتِظَارَ أَمْرِكَ.
قَالَ ابن مسعود: أَفَلاَ أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ.
ثُمَّ مَضَى ابن مسعود وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ:
مَا هَذَا الَّذِى أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟
قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَىْءٌ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ، هَؤُلاَءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِى نَفْسِى فِى يَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِىَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، أَوْ مُفْتَتِحِى بَابِ ضَلاَلَةٍ.
قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلاَّ الْخَيْرَ.
قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْماً يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِى لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ. ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ.
وهذا أثر صحيح
فانظر رحمك الله فإن محل الإنكار على هؤلاء من قبل هذين الصحابيين هو ما لخصه أبو موسى من حالهم قبل أن يصحبه ابن مسعود إليهم في قوله:
" رَأَيْتُ فِى الْمَسْجِدِ قَوْماً حِلَقاً جُلُوساً يَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ، فِى كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِى أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً "
فهذا هو الذي دفع أبا موسى لأن يتوجه إلى ابن مسعود يطلب تدخله وهذا صريح الأثر
وأكد أن هذا هو محل الإنكار تعليق ابن مسعود على صنيعهم قبل مسيره إليهم بقوله:
" أَفَلاَ أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ "
وأيضا يؤكده سؤال ابن مسعود لهم وجوابهم إذ لم يتجاوز كل ذلك المذكور
إذًا أنكر الصحابة عليهم الآتي:
ـ الاجتماع على هيئة عدة حلق لأجل الذكر وبصورة مترابطة توافقية ولكل حلقة من يقودها متوسطا فيها
ـ يذكرون بهيئة تراتبية تبادلية
ـ وبأعداد معينة محددة تخدم ذلك الترتيب
ـ وبوسيلة الحصى
فأنكر عليهم ابن مسعود إنكارا بليغا وخص بالذكر في إنكاره عدّهم وإحصاءهم بتلك الحصى إضافة لإنكاره لمجمل الموقف وإلا فما معنى تركيزه على العد والإحصاء من قَبل مشاهدتهم وبعدها؟
¥