تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا الحديث كما يظهر أنه حديث واحد متصل، فذِكْر البيعة والطاعة والتزام ببيعة الأول، هذا يشعر بأن الفتن المذكورة في الحديث هي فتن النزاعات على السلطة، والنزاعات على السلطة تجر إلى فتن كثيرة، تجر أيضا إلى فتن فكرية وعقدية وخلقية، لأنه إذا حدثت الفوضى أمكن كل واحد يفعل ما يشاء، من المجرمين، من قطاع الطريق من اللصوص، وكذلك أصحاب الأفكار والدعوات، كلٌ يتمكن من مراده، لأنه ليس هناك قيادة ولا إمرة توقف هذه العناصر الشريرة عند حدها، ولهذا جاءت الشريعة الحكيمة لوجوب السمع والطاعة ولو كان الوالي ظالما أو عاصيا أو فاسقا، لأن قيام الولاية واستقرار الأمور، وإن كان لا يخلو من شر، وقد يكون شرا كبيرا، فهذا الشر محتمل في جانب الشر الذي ينشأ عن الفوضى، والله أعلم.

(ليصبر عليه ولا ينزعن يدا من طاعة)

هذا مطلوب، الصبر، يصبر حتى ولو ناله في ذاته بأذى من ضرب أو أخذ مال، فهذا ظلم منه، ظلم، ولكن هذا لا يوجب الخروج، لا يوجب المنازعة، لا يبيح الخروج ولا المنازعة ولا رفض الطاعة بالمعروف، فإنه من فارق الجماعة، فارق الجماعة، جماعة المسلمين، الجماعة المجتمعة على ذلك الوالي، الأمة جماعة، من فارق الجماعة شبرا فمات فميتة جاهلية، يموت على حال جاهلية، لأن أهل الجاهلية لا يخضعون، ولا ينقادون، ولا يسمعون، ولا يطيعون، أهل الجاهلية يعني لا يعترفون بقيادة، ولا يجتمعون على إمام وقيادة واحدة تنظم شئونهم، ولهذا كانت حياة العرب في الجاهلية حياة قبلية، يأكل قويهم ضعيفهم، فإنه يقول في الحديث: (فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية) يعني ميتة جاهلية، يعني على حال أهل الجاهلية.

والأحاديث في هذا المعنى مستفيضة، ولهذا كان من أصول أهل السنة، من أصولهم وجوب السمع والطاعة للأئمة، أبرارا كانوا أم فجارا، والنصيحة لهم بمحبة الخير لهم وصلاح حالهم، والدعاء لهم بصلاح الحال، وليس هذا إقرارا بفسقهم أو ظلمهم، ولا غضا للنظر عن ذلك، لكن هذا هو الواقع، هذا هو موجب النصيحة، النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، حتى فساق المسلمين ألا تحب لهم صلاح الحال والهداية؟

فهذا أصل من أصول أهل السنة، من أصول منهج أهل السنة والجماعة، السمع والطاعة للأئمة أبرارا كانوا أم فجارا، وترك منازعتهم، وترك الخروج عليهم، والخروج على الأئمة هو من مذهب أهل البدع، كالخوارج والمعتزلة الذين من أصولهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا أصل من أصول الدين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنهم يطوون تحته الخروج على الولاة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فلا يجوز الخروج على الأئمة، يعني الخروج على الأئمة إن كان منافسة على السلطان فهذا شر محض، يعني شر ليس فيه جانب خير، لأنه لم يقصد به الخير، إنما قصد به الوصول إلى الأغراض إلى السلطان، إلى منافع الولاية، ولكن الكلام فيمن يخرج على الإمام بسبب إنكار المنكر، يريد رفع الظلم، يريد تولية من يكون أصلح وما أشبه ذلك، هذا هو الكلام.

فهذا الذي نقول إنه مع ما يدعى من القصد إلى إنكار المنكر ورفع الظلم، فإنه أيضا لا يجوز، لأنه يناقض قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الدين، وهو حق، ولكن من قواعده ألا يؤدي هذا الإنكار إلى منكر أعظم، فإذا كان المقصود من الإنكار والتغيير هو إزالة المنكر أو تقليل المنكر، فمتى أدى الإنكار إلى منكر أعظم كان الإنكار منكرا، كان الإنكار منكرا، لأنه لا يوصل إلى المقصود، ولا يحقق المصلحة، ولا يدفع المفسدة، بل يزيد الفساد، يزيد المفسدة، وقد بُليت هذه الأمة بهذا النوع من الشر بالخروج على الولاة.

- سؤال: أحسن الله إليكم، يقول: هل من يخرج على الإمام العادل أو الظالم يعد من الخوارج الذين جاء الوعيد لهم في الحديث، أم يكونون من البغاة ولا يخرج عن كونه من أهل السنة؟

لا، بل يكون من البغاة، إذا كان لا يعتنق أصول الخوارج كالتكفير بالذنوب، فإنه يكون باغيا.

- سؤال:يقول -أحسن الله إليكم-: نأمل من شيخنا توضيح الأمر فيما حدث في هذه الأيام من التفجيرات، وهل هي من الجهاد المشروع؟ ثم إذا كان الجواب بلا فكيف نستطيع إقناع من يرى أنها من الجهاد؟

الله المستعان، قضية قد عركها الناس بالقيل والقال والكلام والبحث، وتنوعت أقاويل الناس، وأنا أقول: إنها ليست من الجهاد، بل هي أمر منكر، وأما الذين على ما يقال إن الذين فعلوا أو يفعلون مثل هذا أنهم يعني من الشباب المتدينين الغيورين، إذا كان الأمر كما هو مشهور وكما هو يذكر، فهم متأولون، وحكمهم إلى الله، لكن المهم ليس هو الحكم عليهم، فمن مات منهم فقد أفضى إلى ربه وإلى ما قدم، ومن بقي فعليه أن يراجع نفسه، وأن يتوب إلى ربه، ويحذر من التورط في مثل هذا، وتعريض الأمة للشر والفساد العريض.

الجهاد، جهاد الكفار، يعني تجهيز دولة الإسلام لجهاد الكفار هذا يتوقف على النظر وعلى السياسة الحكيمة، والموازنة بين المصالح والمفاسد، وهذه الأعمال يعني من يمارسها من الناس بشتى التأويلات هم أصناف، لكن العمل في ذاته هو منكر، لا يجوز التهوين من شأنه، وحسبكم ماذا حصل بعد ما حدث، ماذا حصل على الناس من القلق والخوف والتشرد لبعض الناس، وربما يؤخذ من لا صلة له بهذا الأمر، إنما يؤخذ لمجرد الاشتباه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير