15/ 15 ـ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ الليْثِي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهيمَةِ ـ وَهِيَ حَيَّةٌ ـ فَهُوَ مَيِّتٌ». أَخْرَجه أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَاللَّفْظُ لَهُ.
اختصر الحافظ الحديث، فلم يذكر إلا الشاهد منه، وأول الحديث عن أبي واقد رضي الله عنه قال: قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة وهم يَجُبُّون أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم، قال: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة) وهذا لفظه عند الترمذي
شرح الفاظه:
(فهو ميت) أي: حرام كالميتة، لا يجوز أكله.
المسائل:
اعتبر العلماء لفظ هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الأحكام، يدل على أن ما قطع من البهيمة في حال حياتها من سنام بعير، أو ألية شاة، ونحو ذلك، فهو ميتة محكوم بنجاستها، إذ الميتة كذلك، فيحرم أكله والانتفاع به.
[باب الآنية]
الآنية: جمع إناء، وهي الأوعية، والمراد هنا الأواني التي يكون فيها ماء الوضوء، وما هو أعم من ذلك من الطعام والشراب.
ومناسبة ذكرها هنا: أنه لما كان الماء جوهراً سيالاً لا بد له من وعاء، ناسب ذكرها بعد أحكام المياه، ليعلم المسلم حكم آنيته التي يستعملها؛ لأن الشارع قد نهى عن بعضها، فتعلقت بها أحكام.
والأصل في الآنية: الحل والطهارة، لعموم قوله تعالى: {{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}} ووجه الدلالة: أن الله تعالى امتنَّ على خلقه بما في الأرض جميعاً، ولا يمتن إلا بمباح، إذ لا منة في محرم، وخُصَّ من ذلك ما دل الدليل على تحريمه، والله أعلم.
تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة
16/ 1 ـ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمانِ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «لاَ تَشْرَبُوا فِي انِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلاَ تَأْكُلُوا في صِحَافِهَا، فإنَّهَا لَهُمْ في الدُّنْيَا، وَلَكُمْ في الآخِرَةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
شرح الفاظه:
قوله: (في صحافها): الصحفة هو الاناء، و قيل انها تشبع الخمسة.
المسائل:
الحديث دليل على النهي عن الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة، وهذا النهي للتحريم، والعلة في ذلك التشبه بالكفار.
اختلف العلماء هل تحريم أواني الذهب والفضة مختص بالأكل والشرب كما هو ظاهر الحديث، أو أنه عام في جميع وجوه الاستعمال؟
فالجمهور من أهل العلم على تحريم جميع وجوه الاستعمال، قالوا: وخُصَّ في الحديث ذكر الأكل والشرب لأن هذا هو الأغلب استعمالاً.
ويرى اخرون منهم: الصنعاني، والشوكاني، والشيخ محمد بن عثيمين: أن التحريم خاص بالأكل والشرب، وقالوا: لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن شيء مخصوص، وهو الأكل والشرب فيها، فدل على أن ما عداهما جائز، ولو أراد عموم الاستعمال لنهى عنه.
لكن الورع والاحتياط اجتناب أواني الذهب والفضة بجميع وجوه الاستعمال، سواء أكان للأكل أم للشرب أم لغيرهما من وجوه الاستعمال، أخذاً بعموم المعنى والعلة، كما تقدم، ورجح هذا الشيخ عبد الرحمن السعدي، كما رجحه الشيخ العلامة الأثري عبد العزيز بن باز، وقال: (إن هذا هو الصواب).
تحريم الشرب في آنية الفضة
17/ 2 ـ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
شرح ألفاظه:
قوله: (إنما يجرجر) هي: صوت وقوع الماء في الجوف.
قوله: (نار جهنم): المعنى: أن من شرب بانية الفضة فكأنما يتجرع في بطنه نار جهنم.
المسائل:
الحديث دليل على تحريم الشرب في انية الفضة وأن ذلك من كبائر الذنوب، لقوله: «إنما يجرجر في بطنه نار جهنم».
الحديث ليس مختصا بالشرب، بل يدخل فيه حرمة الاكل.
18/ 3 ـ عَن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «إذَا دُبغَ الإهَابُ فَقَدْ طَهُرَ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَعِنْدَ الأرْبَعَةِ: «أيُّمَا إهَابٍ دُبغَ».
19/ 4 ـ وعَنْ سَلَمَةَ بنِ الْمُحَبِّقِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «دِبَاغُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ طُهُورُهَا». صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
20/ 5 ـ وعَنْ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم بشَاةٍ يَجُرُّونَهَا، فَقَالَ: «لَوْ أَخَذْتُمْ إهَابَهَا؟» فَقَالُوا: إنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: «يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ». أَخْرَجَهُ أبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
شرح ألفاظها:
قوله: (إذا دبغ): إزالة النتن والرطوبة من الجلد بمواد خاصة.
قوله: (الإهاب) هو الجلد قبل أن يدبغ.
قوله: (فقد طهر) والطهر: هو النقاء من الدنس والنجَس.
قوله: (طهورها) فالضم على معنى: تطهيرها.
قوله: (يطهرها) ظاهره أنه يعود على الميتة، وإلا لقال: يطهره، أي: الجلد، فإما أنه على حذف مضاف، أي: يطهر جلد الميتة، أو أن المراد الجنس، أي يطهر الأُهُب.
قوله: (القرظ) بفتحتين، حب معروف.
المسائل:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما دليل على أن أيَّ إهاب دبغ فقد طهر.
استدل بحديث سلمة وميمونة رضي الله عنهما من قال: إن الدباغ يطهر جلد الميتة التي تُحِلُّها الذكاة، وهي كل حيوان مأكول اللحم.
أما ما لا تُحِلُّه الذكاة فلا يطهر بالدباغ وإن كان طاهراً في حال الحياة، كالهرة فلا يطهر جلدها بالدبغ؛ لأن الذكاة لا تحلها.
في حديث ميمونة رضي الله عنها وما قبله دليل على جواز استعمال الجلد بعد الدبغ في اليابسات كالقمح والشعير، والمائعات كالماء واللبن والسمن والعسل ونحو ذلك، لقوله: «يطهره الماء والقرظ»، وإذا طهر صار حكمه حكم غيره من الأعيان الطاهرة.
¥