قوله: (يذكر الله) المراد بذكر الله: كل ما يذكّر بالله تعالى، من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار وتلاوة القران، فالذكر أعم من أن يكون بالقران أو بغيره.
قوله: (على كل أحيانه) أي: في كل أوقاته.
المسائل::
الحديث دليل على أن ذكر الله تعالى لا تشترط له الطهارة، بل يجوز ذكر الله تعالى على كل حال من الأحوال، وهذا غرض المصنف من إيراد الحديث في هذا الباب، وهو بيان أن نواقض الوضوء غير مانعة من ذكر الله تعالى.
ورد عن المهاجر بن منقذ رضي الله عنه أنه أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يبول، فسلم عليه، فلم يردّ عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه، فقال: «إني كرهت أن أذكر الله ـ تعالى ذكره ـ إلا على طُهْرٍ»، أو قال: «على طهارة»).
فهذا الحديث دل على كراهة ذكر الله تعالى حال قضاء الحاجة، وعلى أنه ينبغي لمن سُلّم عليه في حال قضاء الحاجة ألاَّ يرد السلام، بل ينتظر حتى يقضي حاجته، ثم إذا أراد الرد فالأفضل أن يؤخره حتى يتطهر.
خروج الدم من غير السبيلين لا ينقض الوضوء
79/ 13 ـ عَنْ أَنَس بْنِ مَالكٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم احْتَجَمَ وَصَلّى، وَلمْ يَتَوَضَّأْ. أَخْرَجهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلَيَّنَهُ.
شرح ألفاظه:
قوله: (احتجم) أي: أخرج الدم بالمحجم: بكسر الميم، وهي الآلة التي يُحجم بها، اي الآلة التي يجمع فيها دم الحجامة.
المسائل:
الحديث دليل على أن الحجامة لا تنقض الوضوء، بل تجوز الصلاة بعدها، والحديث وإن كان فيه ضعف لكنه يعتضد بالأصل، وهو سلامة الطهارة، ولا يُرفع الأصل إلا بدليل شرعي يدل على ناقض متيقن، ويلحق بذلك كل دم خارج من الجسم من غير السبيلين، كالرُّعاف ودم السن والجرح، وما أشبه ذلك سواء أكان قليلاً أم كثيراً.
ما جاء في أن النوم مظنة نقض الوضوء
80/ 14 ـ عَنْ مُعَاويةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «الْعَيْنُ وِكاءُ السّهِ، فَإذَا نَامَتِ الْعَيْنَانِ اسْتَطْلَقَ الْوِكاءُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطّبَرَانِيّ وَزَادَ: «وَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضّأْ»، وَهذِهِ الزّيَادَةُ في هذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَليّ دُونَ قَوْلِهِ: «اسْتَطلَقَ الْوِكاءُ»، وَفِي كِلاَ الإسْنَادَيْنِ ضَعْفٌ.
شرح ألفاظه:
قوله: (وكاء) الوكاء: بكسر الواو: الخيط الذي تشد به الصرة أو الكيس أو القربة.
قوله: (السّهِ) بفتح السين: حلقة الدبر، وهذا من باب التشبيه، والمعنى: أن اليقظة تحفظ الدبر وتمنع من خروج الخارج منه وهو الريح، كما يحفظ الوكاءُ الماءَ في السقاء ويمنع خروجه.
المسائل:
الحديثان يدلان على أن النوم ليس ناقضاً بنفسه، وإنما هو مظنة للنقض، وذلك إذا كان الإنسان في حالة لا يملك نفسه، فلا يشعر بما يخرج منه، فإذا كان كذلك فليتوضأ لأنه نام، أما إذا كان الإنسان يقظاً فإنه يتحفظ ويعرف ما يخرج منه، والله تعالى أعلم.
ما جاء في أن نوم المضطجع ينقض الوضوء
81/ 15 ـ وَلأبِي دَاوُدَ أَيْضاً، عَنِ ابْنِ عَبّاس مَرْفُوعاً: «إنّما الوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعاً». وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضاً.
المسائل:
الحديث دليل على أن النوم حال وضع الجَنْبِ على الأرض ناقض للوضوء، وخصّ النقض بنوم المضطجع لأنه الأغلب؛ لأن الغالب أنه لا يستغرق أحد في نومه إلا وهو مضطجع، وهذا على فرض صحة الحديث، وإلا فهو ضعيف سنداً ومتناً.
ما جاء في تشكيك الشيطان ابن آدم في طهارته
82/ 16 ـ وَعَنِ ابْنِ عَبّاس رضي الله عنهما أنّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «يَأتِي أَحَدَكُمُ الشّيْطَانُ في صَلاَتِهِ، فَيَنْفُخُ في مَقْعَدَتِهِ فيُخَيّلُ إلَيْه أَنّهُ أَحْدَثَ، وَلَمْ يُحْدِثْ، فَإذَا وَجَدَ ذلِكَ فَلاَ يَنْصَرِفْ حَتّى يَسْمَعَ صَوْتاً أَوْ يَجِدَ رِيحاً». أَخْرَجَهُ الْبَزّارُ.
83/ 17 ـ وَأَصْلُهُ في الصّحِيحَينِ مِنْ حَدِيث عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ.
84/ 18 ـ وَلِمُسْلمٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ.
85/ 19 ـ ولِلْحَاكِم: عَنْ أَبي سَعيدٍ مَرْفُوعاً: «إذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الشّيْطَانُ، فَقَالَ: إنّكَ أَحْدَثْتَ، فَلْيَقُلْ: كَذَبْتَ»، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حبّانَ بِلَفْظِ: «فَلْيقلْ فِي نَفْسِهِ».
شرح الفاظه:
قوله: (في مقعدته) بفتح الميم، وهي السافلة من الشخص.
قوله: (فيخيل إليه) أي: إن الشيطان هو الذي يخيل للمصلي أنه أحدث، أي: يوقع في خياله، أي: في وهمه وظنه.
المسائل:
حديث ابن عباس وما بعده يفيد ما سبقت إليه الإشارة عند الحديث الخامس من هذا الباب من أن المتطهر إذا شك في وضوئه هل انتقض أو لا؟ فإن وضوءه باقٍ، ويصلي بطهارته تلك ولا يجب عليه الوضوء حتى يتيقن أنه أحدث إما بسماع صوت أو شَمِّ ريح.
شدة عداوة الشيطان للإنسان، وذلك بإفساد عبادته، ولا سيما الصلاة وما يتعلق بها، وإيقاعه في الشكوك والأوهام حتى تفسد طهارته، وتبطل صلاته، تارة بالفعل (فينفخ في مقعدته)، وتارة بالقول بالوسوسة: (إنك أحدثت).
وقد أخبر الله تعالى بعداوة الشيطان، فقال سبحانه: {{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ *}}.
في هذه الأحاديث بيان لعلاج الوسواس، فلا ينبغي للمسلم أن يستسلم لوساوس الشيطان ولا يلتفت إليها، فلا ينصرف حتى يتحقق انتقاض طهارته.
ومتى غفل عن الوساوس وتركها فإنها تزول بإذن الله تعالى، ولهذا أرشد النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى عدم الاستسلام لها بقوله: «فليقل: كذبت».
في هذه الأحاديث زيادة على حديث أبي هريرة المتقدم ومن ذلك:
1 ـ التصريح بأن هذه الشكوك في الطهارة من الشيطان.
2 ـ أنه بيّن محل هذه الشكوك وأنه مقعدة الإنسان.
3 ـ أنه بيّن طريقة الخروج من هذه الأوهام وهو تكذيب الشيطان، والله تعالى أعلم.
¥