والقول الثاني: أن لمس المرأة ينقض الوضوء مطلقاً، سواء أكان بشهوة أم بدون شهوة، وهذا قول الشافعية، ورواية عن أحمد، واستدلوا بقوله تعالى: {{أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ}}، فقد قرأ حمزة والكسائي ـ من السبعة ـ (أو لمستم النساء) بغير ألف، فيكون المراد اللمس باليد؛ لأن اللمس حقيقة في المس باليد، والملامسة مجاز في الجماع أو كناية، ولا يعدل عن الحقيقة إلى غيرها إلا عند تعذر الحقيقة، والآية قد أوجبت الوضوء، فيكون لمس المرأة ناقضاً للوضوء.
والقول الثالث: التفصيل وهو أنه إن كان اللمس بشهوة نقض الوضوء وإن لم يكن بشهوة لم ينقض، وهذا هو المشهور من المذهب عند الحنابلة.
والراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول، وهو أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً، إلا إن خرج منه شيء من مذي أو نحوه، ووجه الترجيح ما يلي:
1 ـ حديث عائشة رضي الله عنها الوارد في الصحيحين، وكذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه ... الحديث).
2 ـ أن الأصل عدم النقض وبقاء الطهارة حتى يرد دليل صريح صحيح على ذلك.
وأما الآية الكريمة فلا دلالة فيها على ما ذكر؛ لأن المراد بالملامسة الجماع، وليس اللمس باليد، لما يلي:
أن ابن عباس، وهو حبر الأمة وترجمان القران الذي علمه الله تأويل كتابه واستجاب فيه دعوة رسوله، فَسّرَ الملامسة بالجماع، فقد عَلَّقَ البخاري في صحيحه عنه أنه قال: (الدخول والمسيس واللماس هو الجماع.
حكم الشك في الحدث مع تيقُّن الطهارة
71/ 5 ـ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ في بَطْنِهِ شَيْئاً، فَأَشْكلَ عَلَيْهِ: أَخرَجَ مِنْهُ شيءٌ، أَمْ لاَ؟ فَلاَ يَخْرُجَنّ مِنَ المَسْجِدِ حَتّى يَسْمَعَ صَوْتاً، أَوْ يَجِدَ رِيحاً». أَخْرَجَهُ مُسْلمٌ.
شرح ألفاظه:
قوله: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً) أي: إذا حسّ بتردد الريح في بطنه، وهو صوت الأمعاء، وهو القرقرة: أي: قرقرة البطن.
قوله: (فأشكل عليه) أي: التبس عليه الأمر أَوُجِدَ ناقض أم لا؟
قوله: (فلا يخرجن من المسجد) أي: لأجل أن يتوضأ.
قوله: (حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) أي: حتى يتيقن الحدث بسمعه أو شمه و (أو) للتنويع، وخص السمع والشم بالذكر لكونهما الغالب، وإلا فلو كان لا يسمع ولا يشم لآفة أو مرض وتيقن بغير هذين الطريقين انتقض وضوؤه.
المسائل:
-الحديث دليل على أن المتطهر إذا شك في الحدث لم يلزمه الوضوء، بل يصلي بطهارته تلك حتى يتيقن أنه أحدث، إما بسماع صوت أو شم ريح.
- هذا الحديث دليل على قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة وهي (اليقين لا يزول بالشك)، وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان.
-دل الحديث على أن الريح ناقض للوضوء، لقوله: «حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً».
ما جاء في أن مس الذكر لا ينقض الوضوء
-72/ 6 ـ عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: مَسَسْتُ ذَكَرِي. أَوْ قَالَ: الرّجُلُ يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي الصّلاَةِ، أَعَلَيْهِ وُضُوءٌ؟ فَقَالَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «لاَ، إنّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ». أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحّحَهُ ابْنُ حِبّانَ، وَقَالَ ابْنُ المَدِيني: هُوَ أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ.
شرح ألفاظه:
قوله: (قال رجل: مَسِسْتُ ذكري) أفضيت إليه بيدي من غير حائل.
قوله: (لا) أي: لا وضوء من مسه.
قوله: (بضعة منك) البضعة: بفتح الباء ويجوز كسرها، القطعة من اللحم، والمراد: أنه كاليد والأذن والرجل ونحوهما.
المسائل:
الحديث دليل لمن قال: إن مس الذكر لا ينقض الوضوء؛ لأنه وصفه بأنه بضعة من الإنسان، كمسّ أذنه أو يده ونحوهما.
ما جاء في أن مس الذكر ينقض الوضوء
73/ 7 ـ عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ رضي الله عنها أَنّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وسلّم قَال: «مَنْ مَسّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضّأْ». أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحّحهُ التّرْمِذِيّ وَابْنُ حِبّانَ، وَقَالَ الْبُخَارِيّ: هُوَ أَصَحّ شَيْءٍ في هذَا الْبَابِ.
المسائل::
¥