تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحديث دليل لمن قال: إن مس الذكر وكذا مس الفرج ينقض الضوء، وهو قول الشافعي، والمشهور في مذهب أحمد، وهو معارض بحديث طلق بن علي المتقدم الذي يدل على أن مس الذكر لا ينقض الوضوء، وقد اختلفت كلمة أهل العلم في إزالة هذا التعارض على ثلاثة مسالك، وهي المسالك المعروفة في الأصول:

فمن أهل العلم من سلك مسلك النسخ، وأن حديث طلق بن علي منسوخ بحديث بسرة؛ لأن حديثه متقدم، وحديثها متأخر، ودليل تقدمه ما مضى في ترجمته من أنه قدم المدينة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم يبنون المسجد في أول الهجرة.

لكن القول بالنسخ فيه ضعف لأمرين:

الأول: أن القاعدة عند الأصوليين أنه لا يعدل إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع بين الدليلين؛ لأن النسخ إبطال لأحدهما، والجمع بينهما عمل بهما، وهو ممكن.

الثاني: أن العلماء قالوا: إن التاريخ لا يعلم بتقدم إسلام الراوي أو تقدم أَخْذِه، لجواز أن يكون الراوي المتأخر رواه عن غيره من الصحابة

مسلك الترجيح: والمحققون على ترجيح حديث بسرة بنت صفوان على حديث طلق بن علي، فيجب الوضوء من مس الذكر، وهذا اختيار الصنعاني والشيخ عبد العزيز بن باز، وذلك لما يلي:

1 ـ أن حديث بسرة أصح من حديث طلق بن علي، فإنه سليم الإسناد، وحديث طلق ضعفه جماعة.

2 ـ أن حديث بسرة له شواهد كثيرة تعضده، رواها سبعة عشر صحابياً، وحديث طلق لا شاهد له.

3أن حديث بسرة أحوط وأبرأ للذمة.

المسلك الثالث: مسلك الجمع بين الحديثين، وهو مسلك جيد؛ لأن فيه عملاً بكلا الدليلين، وهؤلاء اختلفوا على قولين:

الأول: أن مس الذكر يستحب منه الوضوء مطلقاً عملاً بحديث بسرة، ولا يجب عملاً بحديث طلق بن علي.

الثاني: أنه إن كان المس بشهوة وجب الوضوء لحديث بسرة، وإن كان لغير شهوة لم يجب لحديث طلق، ويؤيد ذلك أنه قال في حديث طلق: «هل هو إلا بضعة منك»، فإن هذا يقتضي أن الحكم في مس الذكر كالحكم في مس سائر الأعضاء الذي لا يقارن مسه شهوة، فإن مسه مساً يخرج به عن مس نظائره من بقية الجسد وهو ما كان بشهوة وجب عليه الوضوء. والله تعالى أعلم.

بيان شيء من نواقض الوضوء

74/ 8 ـ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ، أَوْ قَلْسٌ، أَوْ مَذْيٌ فلينصرف فَلْيَتَوَضّأْ، ثُمّ لِيَبْنِ عَلَى صَلاَتِهِ، وَهُوَ فِي ذلِكَ لاَ يَتكلّم». أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَضَعّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.

قولنا: (بيان شيء من نواقض الوضوء) هي: القيء، والرعاف، والقَلْسُ، والمذي، والظاهر أن هذا هو غرض الحافظ من إيراد هذا الحديث هنا.

شرح ألفاظه:

قوله: (من أصابه قيء) القيء: بالهمزة، إلقاء ما أكل أو شرب، أو هو ما قذفته المعدة عن طريق الفم.

قوله: (أو رعاف) بضم الراء وهو خروج الدم من الأنف.

قوله: (وليبن على صلاته) أي: أو ليحسب ما كان قد صلى قبل الوضوء من ركعة أو أكثر، ويصلي ما كان باقياً.

قوله: (وهو في ذلك لا يتكلم) أي: في حال انصرافه ووضوئه.

المسائل::

الحديث دليل على أن الخارج النجس من غير السبيلين كالقيء، والقَلَسِ، والرعاف أنه ناقض للوضوء، وأحمد، لأنه خارج نجس، وكل خارج نجس من البدن فهو ناقض عندهم.

والقول الثاني: أن الخارج النجس من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، وأن من قاء أو رَعَفَ فإن طهارته باقية، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ عبد الرحمن السعدي والشيخ عبد العزيز بن باز.

واستدلوا بما يلي:

1 ـ حديث جابر رضي الله عنه في قصة عَبَّاد بن بشر في غزوة ذات الرقاع عندما أصيب بسهام وهو يصلي وخرج منه دماء كثيرة واستمر في صلاته، قالوا: ويبعد أن لا يطلع النبي صلّى الله عليه وسلّم على مثل هذه الواقعة العظيمة، ولم ينقل أنه أنكر أو أخبره بأن صلاته بطلت.

2 ـ وجوب البقاء على البراءة الأصلية، فلا يحكم بالنقض حتى يثبت الشرع، ولا يصار إلى أن الدم أو القيء ناقض إلا لدليل ناهض، والقياس ممتنع في هذا الباب؛ لأن علة النقض غير معقولة، وهي مختلفة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير