فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى).
رواه البخاري (4666) ومسلم (2647).
(المِخصرة): ما اختصر الإنسان بيده، فأمسكه من عصا، أو عَنَزة.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:
وقد تكاثرت النُّصوص بذكرِ الكتابِ السابقِ، بالسَّعادة والشقاوة، ففي " الصحيحين " عن عليِّ بن أبي طالب – وذكر الحديث -.
ففي هذا الحديث: أنَّ السعادة، والشقاوة: قد سبقَ الكتابُ بهما، وأنَّ ذلك مُقدَّرٌ بحسب الأعمال، وأنَّ كلاًّ ميسر لما خُلق له من الأعمال التي هي سببٌ للسعادة، أو الشقاوة.
وفي " الصحيحين " عن عمرانَ بن حُصينٍ، قال: قال رجل:يا رسول الله، أيُعرَفُ أهلُ الجَنَّةِ مِنْ أهلِ النَّارِ؟ قالَ: (نَعَمْ)، قالَ: فَلِمَ يعملُ العاملونَ؟ قال: (كلٌّ يعملُ لما خُلِقَ له، أو لما ييسر له).
وقد روي هذا المعنى عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من وجوهٍ كثيرةٍ، وحديث ابن مسعود فيه أنَّ السعادة والشقاوة بحسب خواتيم الأعمال.
" جامع العلوم والحِكَم " (ص 55). وينظر: " فتح الباري " (11/ 483).
ثانياً:
ما يشير إليه السائل من الغنى أو الفقر، والصحة أو المرض ... ، وسائر ما يصيب الناس من السراء والضراء في عيشهم، وهو ما يعنيه بقوله: السعادة والشقاوة من المنظور الحسي: هذا كله قد سبق به الكتاب، من قبل أن تخلق السموات والأرض، وقد كتب أيضا فيما كتب للجنين من رزقه: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القرآن/49.
وإنما يُعرف المؤمن أنه محقق للإيمان في هذا الباب، وأنه مسلِّم لقدَر الله تعالى، مؤمن به: إذا شكر ربه في السرَّاء، وصبر عند الضرَّاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
جعل اللهُ سبحانَه وتعالى لعباده المؤمنين بكل منزلة خيراً منه، فهم دائماً في نعمةٍ من ربهم، أصابَهم ما يُحِبَّون، أو ما يكرهون، وجعل أقضيته، وأقداره التي يقضيها لهم، ويُقدرها عليهم: متاجرَ يَربحون بها عليه، وطُرُقًا يصلون منها إليه، كما ثبت في الصحيح عَن إمامهم ومتبوعهم - الذي إذا دُعي يوم القيامة كلُّ أناسٍ بإمامهم دُعُوا به صلواتُ الله وسلامه عليه - أنه قال: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله عجب، ما يقضي الله له من قضاء إلاّ كان خيراً له، إن أصابته سرَّاءُ شكَرَ فكان خيراً له، وإن أصابَتْه ضرَّاءُ صَبَر فكان خيراً له).
فهذا الحديث يَعمُّ جميعَ أَقضيتِه لعبده المؤمن، وأنها خير له إذا صبر على مكروهها، وشكرَ لمحبوبها، بل هذا داخلٌ في مسمَّى الإيمان، فإنه كما قال السلف: " الإيمان نصفان، نصفٌ صبر، ونصفٌ شكر "، كقوله تعالى: (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور)، وإذا اعتَبر العبدُ الدينَ كلَّه: رآه يَرجِعُ بجملته إلى الصبر، والشكر.
" جامع المسائل " (1/ 165).
فعلى المسلم أن يؤمن بقدر الله تعالى خيره وشرِّه، ولا يسعه غير ذلك؛ لأن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، والذي لا يصح من غيره.
وعلى المسلم أن يرضى بقضاء الله، ويسلِّم لما يكتبه الله له، أو عليه؛ فإن في ذلك حكَم بالغة، ولا يتعجل في النظر لظاهر الأمر أنه نعمة، أو نقمة، بل العبرة بما يترتب على ذلك من شكر للنعم، ومن رضى بالمصائب، فهمنا يكون مؤمناً محققا لما طلبه الله منه، ويكون مستفيداً من ذلك دوافع تدفعه للعمل وعدم القنوط واليأس، كما تدفعه لشكر الله تعالى لنيل المزيد منها.
ثالثاً:
ثمة علامات يمكن للمسلم أن يستدل بها على كون أصحابها من أهل الجنة، أو أهل النار؛ وذلك بحسب اتصافه بها، وتخلقه بأخلاقها، ظاهراً وباطناً، وعليه بوَّب الإمام النووي رحمه الله بقوله في " شرح مسلم ": " بَاب الصِّفَاتِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ "، وقد جعل تبويبه هذا على حديث عياض بن حمار المجاشعي، والذي رواه مسلم (2265)، وفيه:
(وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ.
قَالَ:
¥