خُلق النبي صلى الله عليه وسلم
ـ[مؤسسة ابن جبرين الخيرية]ــــــــ[25 - 10 - 09, 11:21 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
خُلق النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد ...
فإن الله سبحانه وتعالى اختار محمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبعثه إلى هذه الأمة وقد اخبر تعالى بأنه يخلق ما يشاء ويختار فمن اختياره لهذا النبي انه جبل على أحسن الأخلاق كما قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم:4، وقالت عائشة رضي الله عنها: "كان خلقه القران"، يتأدب بآدابه ويمتثل أوامره وينتهي عن زواجره ويتبع إرشاداته.
وحيث إنه صلى الله عليه وسلم قدوة لأمته في هذه الأخلاق فإنه يجب على المسلمين أن يعرفوا أخلاقه ومعاملته للناس حتى يتأسوا به كما قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي قدوة حسنة تتبعونه فيها وكذلك أمر الله بإتباعه في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} آل عمران:31، ذكر العلماء أن هذه الآية تسمى آية المحنة، فكل من يدعي أنه يحب النبي صلى الله عليه وسلم فان عليه أن يقتدي به ويتأدب بآدابه ويتبع ما كان يعمله وما كان يتأدب به، وهكذا قال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} المائدة:158، الاتباع هو الاقتداء بآثاره وبأعماله وبسيرته وبما كان عليه.
وقد كتب العلماء قديمًا وحديثًا في سيرته صلى الله عليه وسلم وبما كان يتعامل به، وتوسع الأولون في السيرة النبوية كما فعل ابن إسحاق ومن جاء بعده في كتابة السيرة النبوية وما فيها من العبر وما فيها من الصبر ونحو ذلك، وكذلك أيضًا كتبوا في أعماله وما كان يتبعه، كما ألف الترمذي كتاب شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وكتب ابن القيم رحمه الله كتابه الكبير: (زاد المعاد في هدي خير العباد)، وتوسعوا في ذلك.
وحيث إن من أعماله معاملته للناس المسلمين والمشركين واليهود وغيرهم قبل النبوة وبعدها فان معرفة ذلك مما يهم المسلم ليحصل له الاقتداء بالنبي صلى اله عليه وسلم في ذلك وفي هذه الورقات شيء مما يتعلق بمعاملته للناس مما جبل عليه، فإنه صلى الله عليه وسلم جبل على أتم الأخلاق وأحسنها حتى قبل النبوة وكذلك بعدها فنكتب في ذلك بحسب ما تتم الحاجة والضرورة إليه
خلق النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة:
لا شك أن الله تعالى أنشأه نشأة صالحة، حيث اختاره لحمل النبوة ولحمل الرسالة ولتبليغ هذه الشريعة، وهذه الجبلة وهذا الخُلُق أدى به إلى أن يشتهر بين أهل مكة بالصدق والأمانة، فكانوا يسمونه الأمين، وكانوا يودعون عنده ودائع وأمانات لأجل أن يحفظها، وهذا اسم شريف يدل على رفعة له كما أن الله تعالى اختار له الاسم الحسن الذي هو "محمد"، فإنه سمي به لكثرة خصاله الحميدة هذا من أمانته بحيث كثُرت عنده الودائع والأمانات التي يودعها عنده أهل مكة، ولذلك لما هاجر وكل عليًا رضي الله عنه ليؤدي ما عنده من الأمانات والودائع إلى أهلها وهو يعرفهم، مع أنهم من أهل مكة هذا من اختيار الله له حيث جعله أمينا على هذه الودائع ونحوها وبذلك يكون أهلاً لحمل الرسالة ولأدائها كما أمر، فقد بلغ الرسالة التي أرسل بها وذلك من أمانته كما أمره الله بقوله: {بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} المائدة:67.
فبلغ كل شي أمر به وما كتم منه شيئًا حتى ما يختص به مما قد يكون فيه شي من العتاب، مثل قوله تعالى في قصة زيد: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} الأحزاب:37. يعني عندما أمره بأن يمسك زوجته مع أن الحكمة تقتضي انه يطلقها حتى ينكحها النبي صلى الله عليه وسلم قطعا لما كان عليه أهل الجاهلية ولذلك قال تعالى: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} الأحزاب:37. ولذلك عاتبه الله بقوله: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} فتقول عائشة: "لو كتم النبي صلى الله عليه
¥