تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[المقصود بجملة " اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان "]

ـ[محمد الطنطاوي]ــــــــ[25 - 10 - 09, 03:25 ص]ـ

السؤال: هل هناك ما يعرف بـ " اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان " , فهل هناك ما يثبت ذلك من الكتاب والسنَّة النبوية؟. أفيدونا، أفادكم الله , وجزاكم الله خيراً.

الجواب:

الحمد لله

مسألة " اختلاف – أو تغيُّر - الفتوى باختلاف الزمان والمكان ": لنا معها وقفات:

1. يجب أن يُعلم أن الأحكام الشرعية المبنية على الكتاب والسنَّة: غير قابلة للتغيير، مهما اختلف الزمان، والمكان، فتحريم الخمر، والزنا، والربا، وعقوق الوالدين، وما يشبه ذلك من الأحكام: لن يكون حلالاً في زمان، أو في مكان؛ لثبوت تلك الأحكام الشرعية بنصوص الوحي، ولاكتمال التشريع بها.

2. اتخذ بعض أهل الأهواء من تلك الجملة مطية لهم للعبث بالأحكام الشرعية الثابتة بنصوص الوحي المطهَّر، ولتمييع الدين من خلال تطبيقها على أحكام قد أجمع أهل العلم على حكمها منذ الصدر الأول، ولا يسلم لهم الاستدلال بها، فهي لا تخدم أغراضهم، وإنما نص الجملة في " الفتوى "، لا في " الأحكام الشرعية "، وبينهما فرق كبير، فالأول في مسائل الاجتهاد، وما كان بحسب الواقع، فاختلاف الواقع والزمان له تأثير في الفتوى باحتمال تغيرها.

قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:

وحكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان، وتطور الأحوال، وتجدد الحوادث؛ فإنه ما من قضية، كائنة ما كانت، إلا وحكمها في كتاب الله تعالى، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، نصّاً أو ظاهراً أو استنباطاً أو غير ذلك، علِم ذلك مَن علمهُ، وجهله من جهله، وليس معنى ما ذكره العلماء من " تغير الفتوى بتغير الأحوال ": ما ظنه من قَلَّ نصيبهم - أو عُدم - من معرفة مدارك الأحكام وعِلَلها، حيث ظنوا أن معنى ذلك بحسب ما يلائم إراداتهم الشهوانية البهيمية، وأغراضهم الدنيوية، وتصوراتهم الخاطئة الوبية، ولهذا تجدهم يحامون عليها، ويجعلون النصوص تابعة لها، منقادة إليها، مهما أمكنهم، فيحرفون لذلك الكلِم عن مواضعه، وحينئذ معنى " تغير الفتوى بتغير الأحوال والأزمان ": مراد العلماء منه: ما كان مستصْحَبة فيه الأصول الشرعية، والعلل المرعية، والمصالح التي جنسها مراد لله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم.

" فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (12/ 288، 289).

3. القول بتغير الأحكام الشرعية الثابتة بالوحي يعني تجويز تحريف الدِّين، وتبديل أحكامه، والقول بذلك يعني تجويز النسخ بعد كمال التشريع، ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وليُعلم أن الإجماع نفسه لا يمكن أن ينسخ حكماً ثابتاً في الشرع إلا أن يكون مستنده النص، فإن لم يكن كذلك – وهو غير واقع في حقيقة الأمر -: كان القول به تجويزا لتبديل الشريعة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:

وكنا نتأول كلام هؤلاء على أن مرادهم أن " الإجماع " يدل على نص ناسخ، فوجدنا من ذُكر عنهم: أنهم يجعلون الإجماع نفسه ناسخاً! فإن كانوا أرادوا ذلك: فهذا قول يجوِّز تبديل المسلمين دينَهم بعد نبيِّهم، كما تقول النصارى مِن: أن المسيح سوَّغ لعلمائهم أن يحرِّموا ما رأوا تحريمه مصلحة، ويحلوا ما رأوا تحليله مصلحة، وليس هذا دين المسلمين، ولا كان الصحابة يسوِّغون ذلك لأنفسهم، ومَن اعتقد في الصحابة أنهم كانوا يستحلون ذلك: فإنه يستتاب، كما يستتاب أمثاله، ولكن يجوز أن يجتهد الحاكم، والمفتي، فيصيب، فيكون له أجران، ويخطئ، فيكون له أجر واحد.

" مجموع الفتاوى " (33/ 94).

وهذا من أعظم خصائص الشريعة وأحكامها القطعية.

قال الإمام الشاطبي رحمه الله في بيان ميزات أحكام التشريع القطعية -:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير