مقال (ونحن أيضاً، سنصدعُ بالحقِّ) للشيخ علوي السقاف ..
ـ[ابو صهيب العنزي]ــــــــ[01 - 11 - 09, 10:54 م]ـ
ونحن أيضاً، سنصدعُ بالحقِّ
علوي بن عبد القادر السَّقَّاف
المشرف على موقع الدرر السنية
[email protected]
12/11/1430 هـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه.
أمَّا بعد:
فقد عاشت هذه البلاد منذ عقودٍ خَلَتْ على منهج أصيل، أسَّسَه علماؤها وغيرُهم من العلماء الوافدين إليها من أنحاء العالم، وترسَّخ هذا المنهج، وضُبطت أصولُه وقواعدُه على منهج أهل السنة والجماعة في الاعتقاد والاستدلال، ونشأت الأجيال وتربت الأمة عليه، وارتضاه الناس، حيث جمع شملهم، ووحَّد كلمتهم من شرق البلاد إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، ووجد له أنصاراً ومحبين في شرق العالم وغربه، حيث وافق الفطرة، ودعا للإسلام النقي من شوب المحدثات. وترسَّخ خلال هذه الفترة في نفوس الناس ضرورةُ التقيُّد بالدليل الصحيح وعدم التعصب لمذهب معين رغم وجود الدراسة الفقهية الحنبلية والاسترشاد بها في القضاء وغيره.
وظهر بعد الجيل الأول من العلماء جيل آخر أخذ منهم، وسلك مسلكهم، فكانوا خيرَ خلفٍ لخير سلف، أعانوا مشايخهم على رفع الجهل عن الأمة بالعلم والتعليم والدعوة والإصلاح، ومع تحري منهجهم للدليل، وقيامهم بالدعوة على أسس منهج السلف في العقيدة، ودعوتهم الناس إلى نبذ العصبيات إلا أن ذلك لا يعني قبول جميع الأطراف لدعوتهم بل كانت هناك أعداد قليلة غير راضية عن هذا المسلك متهمةً إياه بالتشدد تارة، وبالجمود تارة أخرى، لكن لم يكن لهم تأثيرٌ يُذكر، حيث صدَّقت أفعالُ العلماء أقوالَهم، وظهر للقاصي والداني نُصحهم، وصحة منهجهم.
وخلال تلك الفترة جَدَّتْ أحداث، ونزلت بالأمة نوازل، اختلفت فيها الآراء والاجتهادات في مسائل معدودة، لكن لم يُنْقَضْ فيها أصلٌ، ولم يُشَنَّع فيها على عالم، واجتمعت كلمة الجميع ولم تختلف إلا ما ندر. وحفظ الصغارُ قَدْرَ الكبار، واستفادوا من علمهم وتجاربهم، واستفاد الكبارُ في المقابل من اطلاع الصغار وتخصصهم، ورغم حدوثِ متغيراتٍ عالميةٍ وعربيةٍ ومحليةٍ في تلك الفترة، ووفودِ أفكارٍ ومعتقداتٍ إلحاديةٍ كالشيوعيةِ والقوميةِ والبعثيةِ والحداثيةِ، وانفتاحِ المجتمع على المجتمعات الغربية وتطورِ وسائل الإعلام، إلا أنَّ المجتمع كان متمسكاً بدينه، وملتفًّا حول علمائه، وكان لعلمائه هيبةٌ ووقارٌ لدى الكبير والصغير، دون تقديس أو ادعاء عصمة، وخلال هذه الفترة حُرِّرت مسائل، وأُلفت كتبٌ، وأُعدت رسائل جامعية في شتى العلوم: العقدية، والأصولية، والفقهية، حتى أصبحت هذه البلاد وعلماؤها وطلاب العلم والدعاة فيها محط الأنظار، وقدوة للأمصار، في سلامة المنهج، وقوة التمسك بالدليل.
واستمر هذا الحال ثلاثة عقود أو أكثر، وكانت اللحمة الدينية والسياسية على وفاق واتساق، مما أفرح الصديق وأغاظ العدو، وهذا كله لا يعني عدم وجود أخطاء، وتجاوزات، واختلافات، ومفارقات، لكنها لم تكن لتشق الصف وتفرِّق الأمة، ولم يكن يتطلب الأمر أن يُسعى لتقويض ما تسميه بعض الجهات المشبوهة ومقلِّدوها بالمؤسسة الدينية.
ثم حدثت في السنوات الأخيرة أحداثٌ عالميةٌ ومحليةٌ لا تخفى على أحد، ووقعت على إثرها ضغوطٌ عالمية ظهرت آثارها وتسارعت بشكلٍ كبير لكثرةِ قنواتِ الاتصالِ وسرعتها، غيَّرت من قناعاتِ وتوجهاتِ عددٍ من الخطباء والدعاة وطلاب العلم، بل وبعضٍ ممن يحسبون على العلماء!.
كان هؤلاء في بدء الأمر يعرضون ما عندهم بمداورة والتواء ولحنٍ في القول، وبصوت منخفض، وعلى استحياء، وفي مجالس خاصة، ثم تطور الأمرُ فأصبح بعضهم يُصرِّح بما عنده ولكن في مجالس خاصة أيضاً. وكان عددٌ من الدعاة وطلاب العلم يبلغهم ذلك، فتارة ينفونه عنهم حُسْنَ ظنٍّ بإخوانهم، وتارة يتوقفون، وأخرى ينصحون. ثم تطور الأمرُ أكثر، فأصبح بعضُ أؤلئك يصرِّح في حواراتٍ صحفية، أو فتاوى فضائية، أو مقالاتٍ (إلكترونية)، كلُّ ذلك كان يحصل والعلماء وطلاب العلم كانوا يغلِّبون حسن الظن بهم، ويؤمِّلون أوبتهم، ويطمعون في عودتهم. ورغم قلَّتهم -كما يعبرون هم عن أنفسهم- إلا أن تأثيرهم قد زاد، وما ذاك إلا لأن وسائل الإعلام قد فتحت لهم أبوابَها وقنواتِها، ولأن ما يطرحونه مما
¥