تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

• وسنستعرض هاهنا بعض نماذج تلك المعالجات الفقهية التراثية:

• -موقف الفقه الحنفي:

يميز فقهاء المذاهب دوماً في مصادرهم الفقهية بين الكتب المحدِّدة للمعتمد في المذهب في مجالي (القضاء والفتيا)، والكتب المحدّدة للمعتمد في المذهب في مجال (التعليم الفقهي).

فأما في مجال (القضاء والفتيا) فإن المعتمد عند الحنفية ثلاثة كتب، رأسها وأهما عندهم هو الكتاب المبكر "المبسوط للسرخسي"، ويكاد عندهم أن يكون قاعدة المذهب لأنه جمع خلاصة فقه متقدمي الحنفية، وفي هذا المصدر الحنفي الرئيسي يقول السرخسي رحمه الله:

(في اختلاط النساء مع الرجال عند الزحمة؛ من الفتنة والقبح ما لا يخفى) (المبسوط،16/ 80)

ويقول أيضاً رحمه الله: (في اختلاطها –أي المرأة- بالرجال فتنة) (المبسوط، 4/ 111)

وأما في مجال (التعليم الفقهي) فإن أهم كتب الحنفية عندهم هي "الهداية للمرغيناني" وأشهر شروحها هو "فتح القدير" لابن الهمام، ويقول ابن الهمام في هذا الشرح:

(المرأة إنما تخالط المرأة، لا الرجل الأجنبي) (فتح القدير، 5/ 222)

ولم يختلف فقهاء المذهب الحنفي في أصل تحريم "اختلاط الجنسين" وإنما اختلفوا في صورة معينة: وهي الرجل الذي تعطلت غريزته كلياً فهل له أن يخالط النساء أم لا؟ ومع أنه في هذه الحالة قد يغلب انتفاء الفتنة إلا أن جمهور الحنفية منعوا ذلك أيضاً، ويلخص الامام السرخسي هذا الخلاف فيقول:

(إن كان مجبوباً قد جف ماؤه؛ فقد رخص بعض مشايخنا في حقه بالاختلاط بالنساء، لوقوع الأمن من الفتنة، والأصح أنه لا يحل له ذلك) (المبسوط، 10/ 158)

وأما في مجال (علم القواعد الفقهية) فإن أوسع كتب الحنفية في هذا الحقل هو كتاب "غمز عيون البصائر" للإمام الحموي الحنفي الذي شرح فيه كتاب "الأشباه والنظائر" للإمام ابن نجيم الحنفي، رحمهما الله، وفي هذا الكتاب القواعدي الحنفي يقول الإمام الحموي رحمه الله:

(قلت: وهو –أي الزفاف- حرام في زماننا، فضلا عن الكراهة، لأمور لا تخفى عليك، منها اختلاط النساء بالرجال) (غمز عيون البصائر، 2/ 114)

واستمر هذا الحكم الفقهي في تحريم "اختلاط الجنسين" حاضراً في سائر كتب الفقه الحنفي الأخرى، حتى مجئ آخر أئمة الحنفية الموسوعيين وهو الإمام ابن عابدين رحمه الله، فزاد هذا الحكم الشرعي لتحريم اختلاط الجنسين تأكيداً، حيث يقول في موسوعته رد المحتار:

(ومما ترد به الشهادة الخروج لفرجة قدوم أمير، أي لما تشتمل عليه من المنكرات، ومن اختلاط النساء بالرجال) (رد المحتار، 6/ 355).

وما سبق هو مجرد نماذج فقط من معالجات الحنفية لموضوع الاختلاط، ويمكن للقارئ الفاضل أن يراجع المزيد من النصوص بنفس مفردة الاختلاط (لفظاً ومضموناً) في مصادر الحنفية الأخرى مثل:

كتاب تبيين الحقائق للزيلعي (6/ 20) والبحر الرائق لابن نجيم (8/ 222) ومجمع الأنهر لشيخي زاده (2/ 540)، وغيرها من مصادر المذهب الحنفي الأخرى.

• -موقف المذهب المالكي:

محور المذهب المالكي -كما هو معروف- هو مختصر خليل، فهو الحلقة الرابعة في سلسلة الاختصار، فهو خلاصة مكثفة للمذهب، وقد بين الشيخ خليل في عبارته المركزة -كما هو معتاد في لغة المتون بشكل عام، ومختصر خليل بشكل خاص- منع الاختلاط في ثلاثة أمور (مجلس القضاء، ومجلس الفتيا، ومجلس العلم) حيث يقول رحمه الله: (ينبغي –أي للقاضي- أن يفرد وقتاً أو يوماً للنساء، كالمفتي والمدرس)

وحين جاء الشيخ عليش المالكي لتوضيح هذه الفقرة في مختصر خليل ذكر علة هذا الحكم، ثم نقل نقولاً عن أئمة المذهب المالكي حول الاختلاط، حيث يقول رحمه الله:

(سترا لهن وحفظا من اختلاطهن بالرجال في مجلسه، [قال] سحنون: يعزل النساء على حدة والرجال على حدة. [وقال] أشهب: لا يقدم الرجال والنساء مختلطين. [وقال] ابن عبد الحكم: أحب إلي أن يفرد للنساء يوما. ويفرق بين الرجال والنساء في المجالس .. ، [وقال] المازري: إن كان الحكم بين رجل وامرأة أبعد عنها من لا خصام بينها وبينه من الرجال) (منح الجليل شرح مختصر خليل، 8/ 306)

ويلي مختصر خليل في الذيوع والانتشار بين المالكية رسالة الإمام ابن أبي زيد القيرواني، وحين تعرض الإمام النفراوي المالكي في شرحه لهذه الرسالة لمسألة "مسقطات وجوب إجابة وليمة العرس" قال:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير