الأول: أنه يخبر عن الغيب، ولا يعلم الغيب غير الله.
والثاني: يهدف إلى حمل الناس على الرضا بما نحن فيه والبقاء عليه وعدم العمل على تغييره ".
ثم يستنتج من ذلك أنه: " لا بد أن يكون الحديث من وضع عدو للإسلام ولدينهم ".
(الجواب):
وجواب الأستاذ الألباني: إن الحديث صحيح بلا ريب، وهو يخبر عن أمر غيبي بإطلاع الله تبارك وتعالى له عليه، وهذا أمر سائغ جائز لا غبار عليه بل هو من مستلزمات النبوة والرسالة، والحديث يهدف إلى خلاف ما ظنه السائل، هذا مجمل الجواب، واليك التفصيل:
1 - صحة الحديث:
لا يشك حديثي في صحة هذا الحديث البتة، لوروده من طرق متباينة وأسانيد كثيرة، عن صاحبين جليلين:
الأول: ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.والثاني: أبو هريرة -رضى الله تعالى عنه- الذى حفظ لنا ما لم يحفظه غيره من الصحابة -رضوان الله عليهم- من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فجزاه الله عن المسلمين خيراً.
أما ثوبان -رضي الله عنه- فله عنه ثلاث طرق:1 - عن أبي عبد السلام، عن ثوبان، قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
" يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها "، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: " بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن "، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: " حب الدنيا، وكراهية الموت ".
أخرجه أبو داود في سننه (2/ 10 2) والروياني في مسنده (ج 25/ 134/2) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عنه، ورجاله ثقات كلهم غير أبي عبد السلام هذا فهو مجهول، لكنه لم يتفرد به بل توبع -كما يأتي- فالحديث صحيح.
2 - عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان مثله.أخرجه أحمد (5/ 287) ومحمد بن محمد بن مخلد البزار في " حديث ابن السمان " (ق 182 - 183) عن المبارك بن فضالة، حدثنا مرزوق أبو عبد الله الحمصي، أنا أبو أسماء الرحبي به، وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات، وإنما يخشى من المبارك التدليس، وقد صرح بالتحديث فأمنا تدليسه.
2 - عن عمرو بن عبيد التميمي العبسي، عن ثوبان مختصراً.أخرجه الطيالسي في سنده (ص 123)، (2/ 211 من ترتيبه للشيخ البنا) وسنده ضعيف لكنه قوي بما قبله.
فالطريق الثاني حجة وحده لقوة سنده، وبانضمام الطريقين الآخرين إليه يصير الحديث صحيحاً لا شك فيه.
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد في المسند أيضاً (2/ 259) عن شبيل بن عوف، عنه، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لثوبان:
" كيف أنت يا ثوبان إذا تداعت عليكم الأمم. . . الحديث نحوه وسنده لا بأس به في الشواهد "، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7/ 287): " رواه أحمد والطبرانى فى الأوسط بنحوه، وإسناد أحمد جيد "!
وجملة القول: إن الحديث صحيح بطرقه وشاهده، فلا مجال لرده من جهة إسناده، فوجب قبوله والتصديق به.
2 - إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن الغيب:
من المستغرب جداً عندنا الشك في صحة الحديث بدعوى " إنه يخبر عن الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله " ومن المؤسف حقاً أن تروج هذه الدعوى عند كثير من شبابنا المسلم فقد سمعتها من بعضهم كثيراً، وهي دعوى مباينة للإسلام تمام المباينة، ذلك لأنها قائمة على أساس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشر كسائر البشر الذين لا صلة لهم بالسماء، ولا ينزل عليهم الوحي من الله تبارك وتعالى.
أما والأمر عندنا معشر المسلمين على خلاف ذلك، وهو أنه عليه السلام مميز على البشر بالوحي، ولذلك أمره الله -تبارك وتعالى- أن يبين هذه الحقيقة للناس فقال في آخر سورة الكهف: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) وعلى هذا كان لكلامه -صلى الله عليه وسلم- صفة العصمة من الخطأ لأنه كما وصفه ربه عز وجل: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)، وليس هذا الوحى محصوراً بالأحكام الشرعية فقط، بل يشمل نواحي أخرى من الشريعه منها الأمور الغيبيه، فهو -صلى الله عليه وسلم- وإن كان لا يعلم الغيب كما قال فيما حكاه الله عنه: (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) (الأعراف: 187) فإن الله تعالى يطلعه على بعض المغيبات وهذا صريح فى
¥