ـ[مبارك]ــــــــ[20 - 02 - 03, 04:53 م]ـ
قال الشيخ العلامة أبوإسحاق الحويني ـ حفظه الله ـ في كتابه الماتع " كشف المخبوء بثبوت حديث التسمية عند الوضوء " (44 ـ 49) في معرض حديثه عن الحديث الحسن لغيره:
"بقي لنا أن ننظر في الحديث " الحسن لغيره "، وهو لبُّ البحث.
قال الحافظ في " النكت على ابن الصلاح " (1/ 401/402):
" ولم أر من تعرض لتحرير هذا ".
يعني لتحرير الاحتجاج ب " الحسن لغيره ".
ثم قال:
" وقد صرّح أبو الحسن بن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل المغرب في كتاب " بيان الوهم والإيهام " بأن هذا القسم لا يحتج ُّ به كله، بل يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام، إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصالُ عملٍ، أو موافقة شاهدٍ صحيحٍ، أو ظاهر القرآن ".
قال الحافظ:
" وهذا حسنٌ قويٌ رايق، ما أظن منصفاً يأباه ".
ثم قال (1/ 403):
" ولكن محل بحثنا هنا: هل يلزم من الوصف بالحسن، الحكم له بالحجة أم لا؟! هذا الذي يتوقف فيه، والقلب إلى ما حرره ابن القطان أميلُ، والله أعلم ".
قلت: وهذا الذي ذكره ابن القطان، حرره الحافظ في ثلاثة شرئط للعمل بالحديث الحسن لغيره كما يأتي بعد ـ إن شاء الله تعالى ـ.
وممن قال ب" الحسن لغيره " غير الترمذي، الإمام النسائي، رحمه الله.
ففي " النكت " (1/ 398):
" ورأيت لأبي عبدالرحمن النسائي نحو ذلك. فإنه روى حديثاً من رواية أبي عبيدة عن أبيه ثم قال: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، إلا أن هذا الحديث جيدٌ. وكذا قال في حديث رواه من رواية عبدالجبار بن وائل، عن أبيه، ثم قال: عبدالجبار لم يسمع من أبيه، ولكن الحديث في نفسه جيدٌ. إلى غير ذلك من الأمثلة، وذلك مصيرٌ منهم إلى أن الصورة الاجتماعية لها تأثيرٌ في التقوية " أ ه.
وممن قال بذلك أيضاً البخاري، وأبو حاتم كما في " فتح المغيث " (1/ 70) للسخاوي.
فالحاصل أن من قال بتقوية الأسانيد بضمها إلى بعضها:
البخاري، و أبو حاتم، و النسائي، و الترمذي، والبيهقي، والبغوي من المتقدمين في آخرين. وقد استقر عليه جمهور المتأخرين من أهل العلم كابن الصلاح، وابن عبد السلام، وابن دقيق العيد، والمزي، و ابن تيمية، و ابن القيم، والسبكي تقي الدين، وابن كثير، والزركشي، و العراقي، و ابن حجر، و السخاوي، والسيوطي، وجماعة يطول الأمر بذكرهم.
فهذا باختصار شديد الحجة في الباب. أما الأمثلة فكثيرةٌ جداً لمن يطالع " سنن الترمذي " فقط، وقد ساق الحافظ في " النكت " جملة أحاديث من " جامع الترمذي " فيها انقطاع، وتدليس، ورواة متفق على ضعفهم، وجماعة سيئوا الحفظ، وحسنها الترمذي جميعاً للشواهد الواردة في الباب.
أما الشرائط الثلاثة التي ذكرها الحافظ ابن حجر للعمل بالضعيف فقد ذكرها الحافظ السخاوي في " القول البديع " (ص 258) قال:
" سمعت شيخنا ـ يعني الحافظ ـ مراراً يقول، وكتبه لي بخطه: إن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة:
1ـ متفق عليه، أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفراد الكذابين والمتهمين بالكذب، ومن فحش غلط ..
2ـ أن يكون مندرجاً تحت أصل عام فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل أصلا.
3ـ أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلا ينسب إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم ما لم يقله ..
قال: والأخيران عن ابن عبد السلام وعن صاحبه ابن دقيق العيد، والأول نقل العلائي الاتفاق عليه " أه.
وذكر الحافظ مثل هذا الكلام في مقدمة جزء له سماه: " تبيين العجب بما ورد في فضائل رجب " (ص ـ 21، 22) ..
ثم رأيت شرحاً لشيخنا الألباني حافظ الوقت حول هذه الشروط الثلاثة، رأيت أن أنقله لفائدته.
قال شيخنا في مقدمته على " صحيح الجامع " (1/ 53 ـ 75): " وهذه شروط دقيقة وهامة جداً، لو التزمها العاملون بالأحاديث الضعيفة، لكانت النتيجة أن تضيق دائرة العمل بها، أو تلغى من أصلها .. وبيانه من ثلاثة وجوه:
ومن ثم قال الحويني بعدما نقل كلام شيخنا بتمامه (قال مبارك: ولولا طوله لنقلته بتمامه لعزته ونفاسته):
" قلت: فظهر من كلام شيخنا حافظ الوقت؛ .. أن الالتزام هذه الشروط، يكفينا مؤونة العمل بالضعيف ..
وختاماً لهذا الفصل أُذكر بأن الأحاديث الحسان تكون موضع تجاذب بين العلماء لترددها بين الضعف والحسن، غير أن الممارس لهذا الأمر، يخلص إلى الراجح في المسألة.
وقد أشار إلى ذلك الحافظ السخاوي في " فتح المغيث " (1/ 70) فقال: " ... أما الحسن لغيره فيفصل بين ما تكثر طرقه فيحتج به، وما لا، فلا .. وهذه أمور جميلة تدرك تفاصيلها بالمباشرة " أه.
قلت: يعني بالممارسة العملية.
وما أجمل ما قاله شيخنا محدث العصر ناصر الدين الألباني في " الإرواء " (3/ 363):
" وإنه مما ينبغي ذكره بهذه المناسبة أن الحديث الحسن لغيره، وكذا الحسن لذاته، من أدق علوم الحديث، وأصعبها، فلا يتمكن من التوفيق بينها، أو ترجيح قولٍ على الأقوال الأخرى، إلا من كان على علم بأصول الحديث وقواعده، ومعرفة قويةٍ بعلم الجرح والتعديل، ومارس ذلك عملياً مدة طويلة من عمره، مستفيداً من كتب التخريجات، ونقد الأئمة النقاد، عارفاً بالمتشددين منهم و المتساهلين، ومن هم وسط بينهم، حتى لا يقع في الإفراط والتفريط. وهذا أمر صعب، قل من يصبر له، وينال ثمرته، فلا جرم أن صار هذا العلم غريباً من العلماء، والله يختص بفضله من يشاء " أ ه.
قال مبارك: من كان له قدم وساق في هذا العلم مع النية الصادقة والإخلاص لدين الله عزوجل ورد تقوية الحديث بتعدد الطرق فيعذر مع تقديم النصح له بالتي هي أحس للتي هي أقوم. أما من كان غير ذلك فلا يعذر بل ينبغي أن يزجر لأنه تكلم بغير علم قال الإمام ابن حزم الأندلسي وما أجمل ما قال:
" لا آفة على العلوم وأهلها، أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون، وظنون أنهم يعلمون، ويفسدون، ويقدرون أنهم يصلحون "
.. لعلي أجبت على سؤالك يا أخ محمد الأمين حفظك الله
¥