فيأتي بعض الأخوة عفا الله عنا وعنهم ويهدمون هذا المجهود العظيم بقولهم: لا يفهم العلل، منهجه منهج الفقهاء وأهل الأصول، يخالف ما أجمع عليه أهل الحديث، فلان الذي لم يبلغ العقد الثالث أعلم منه وغير ذلك.
فهذا يدل على أن هؤلاء لم يمارسوا هذا العلم، وما أحسوا بالجهد المضني الذي يبذله شيخنا رحمه الله في جمع الطرق حتى أنه يظل شهور يجمع طرق حديث واحد.
ولا يخفى أن دور العلماء الآن أعسر بكثير من المتقدمين؛ لأن المتقدمين كانوا يعتمدون على الحفظ فمن السهل جداً أن يستحضر ألف حديث في باب واحد، لأن حفظه في رأسه، أما نحن فليس كذلك عملنا هو في الكتب، ومن الصعوبة بمكان أن أحمل كتبي كلها كلما أردت أن أذهب إلى مكان، أما أولئك فيمكن الواحد منهم أن يستحضر من خلال حفظه المتين الرائع جداً كل الأحاديث التي في ذاكرته في ليلة واحدة أو أكثر.
ولا شك أن الحافظ ايسر عليه من أمثالنا ممن لا يحفظون بل يبحثون عن الأسانيد في الكتب المتكاثرة والتي لا يستطيع الإنسان أن يعلم كل شيء فيها ضرورة.
لذلك علماء الحديث في هذا العصر المتأخر يقومون بالواجبين معاً مع عسر الجهد؛ لأنه ليس هناك حفظ ومع قلة عدد القائمين بهذا الواجب. وكما كانوا بالأمس يجمعون الطرق من أفواه المشايخ كذلك العلماء المتأخرين يجمعونها من بطون الكتب، وجمع الطرق من الكتب أشد وأصعب من جمعه من الحفظ.
قال الشيخ الحويني حفظه الله في كتابه الماتع " تنبيه الهاجد" (28ـ 29):
" فقرب الشيخ الألباني السنة بكثرة تخاريجه، والكلام على الأسانيد ومناقشة العلماء في عللها، وهو صاحب مدرسة في التخريج جمع فيها بين القديم والحديث. ولا أعلم أحداً له مساسٌ بهذا العلم إلا وللشيخ عليه فضلٌ دقَّ أو جلَّ، حتى أن حاسديه يستفيدون من علمه ويحطون عليه، وأغلب تخاريجهم مسروقة من كتبه، ويعلم هذه الحقيقة من له ممارسةٌ لكتب الشيخ.
وقد ظل الشيخ معظماُ معافىً حتى انتشر هذا العلم، وكثرت فهارس الكتب، واستطاع أصغر الطلبة أن يعزوا الحديث ـ بدلالة الفهرس ـ إلى كتب لم يطلع عليه كثيرٌ من الحفاظ القدامى فضلاً عن المحدثين وبان لهذه الظاهرة الإيجابية ـ وهي الإقبال على دراسة الحديث ـ وجهٌ سلبيٌ بغيضٌ.
قلتُ قبل ذلك: أن رأس مال المحدث هو الإسناد،وهو مبعثرٌ في عشرات الألوف من الكتب والأجزاء، ومن المستحيل على رجلٍ واحدٍ أن يستحضر كل ما في هذه الكتب حال تحقيقه للحديث، فربما ضعَّف الحديث ولم يقف له على متابعةٍ، أو يجزم بتفرد أحد رواته به، ويكون له متابعون، أو يغفل فيُبرِم في موضع ما ينقضه في موضع آخر لبعد ما بين الموضعين فب التدوين، وهذا يقع لكبار الحفاظ والأئمة الفضلاء الذين هم معدن العلم، فلم انتشرت الفهارس العلمية، وتمكن صغار الطلبة من الوصول إلى مواضع الحديث فيها، كثر تعقبهم للعلماء، مع إساءة الأدب معهم، واتهامهم بالغفلة والتقصير والجهل والتجاهل، إلى آخر هذه الألفاظ التي كثرت في السنوات العشر الأخيرة.
وقد ذكرني انتشار الفهارس ومضرتها بكلمة قالها التابعي الجليل محمد بن سيرين رحمه الله لما انتشرت الكتابة فقال:
" وددت أن الأيدي قطعت في الكتابة " قيل له: لم؟ قال: لأنها ضيعت الحفظ! ولست أجحد فائدة الفهارس، وأنها سهَّلت على أهل العلم مهمتهم، وأشاعت بين العامة الاهتمام بالسنة، والبحث عن صحيحها وسقيمها، ولكن: " لكل شيء إذا ما تم نقصانُ ".
فظاهرة التعالم هي التي شوهت جمال هذه النهضة، وأتاحت هذه الفهارس لكل متنفخ أن يتطاول على الشوامخ، وكم لهذا التعالم من مضارٍّ،من أهونها ـ مع فداحته ـ أن يختلط العالم بشبيه العالم، ولا يميز الناس بينهما، فيستفتون شبيه العالم فيقع الخبط والخلط ... " أه.
أما نسبة الجهل إليّ بحال رؤوس منهج التفريق فأقول لك سامحك الله فقد سألت شيخنا الألباني عن هذا المنهج من (13) سنة تقريباً وقد سجلت إجابة الشيخ بواسطة (جهاز للتسجيل) قبل ذهاب الأخ رياض إلى شيخنا وخروج شريط تحدث فيه الشيخ عن ذاك المنهج وهو بعنوان (من بدع المحدثين على المحدثين).
وقد قرأت كتب الشيخ حمزة المليباري المشهورة وهي:
1ـ الحديث المعلول (قواعد وضبط).
¥