في إثر كل صلاة ركعتين " يشهد له حديث ابن عمر وغيره
في بيان السنن الرواتب، ومنها:
(ركعتان بعد صلاة الظهر وَ المغرب وَ العشاء).
وأما قوله: " إلا الصبح والعصر " فهو مخالفٌ لحديث
أمِّ سلمة وَ عائشة "رضي الله عن الجميع"
إلا أنه يمكن القول بأن علياً قد روى ما رأى.
وأم سلمة و عائشة رَوَتَا ما رَأَتا.
ولذلك فالذي يظهر لي فيما يتعلق بحديثَي عليٍ رضي الله عنه:
أن حديثَ عاصمٍ عن علي – على ما فيه من التفرُّد المشار إليه – أقوى من حديث وهب بن الأجدع عن علي، وذلك لأن حديث وهبٍ مخالفٌ لصريح قول النبي صلى الله عليه وسلم الثابتِ عنه.
وأما حديث عاصم بن ضمرة فإنما خالف الفعلَ – على أنه يمكن الجمع من غير تكلُّف كما سبق – ومعلومٌ أن مخالفة الفعل أهون من مخالفة القول – خاصة إذا كان القولُ صريحاً؛ كما في مسألتنا – إذ الفعل يدخله من الاحتمال ما لايدخل القول.
(أقول هذا وأنا لم أبحث بعدُ حديثَ أمِّ سلمة وَ عائشة رضي الله عنهما، هل هما حديثٌ واحدٌ أو لا؟ وما اللفظ الثابت فيهما؟).
فائدة /
يرى الإمام الشافعي "رحمه الله " أن حديث وهب بن الأجدع عن علي مخالفٌ لحديث عاصم بن ضمرة عن علي (الأم 7/ 166).
وتبعه على ذلك الإمام البيهقي "رحمه الله " حيث قال – بعد ذكره لحديث وهبٍ عن علي -:
(وقد رُوي عن علي رضي الله عنه ما يخالف هذا، ورُوي ما
يوافقه:
أما الذي يُخالفه في الظاهر …) وساق بسنده إلى عاصم بن
ضمرة عن علي قوله:
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في إثر كل صلاة
ركعتين، إلا الصبح والعصر ".
ثم قال: (وأما الذي يوافقه …) فساق بسنده من طريق شعبة عن
أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال:
" كنا مع علي رضي الله عنه في سفرٍ فصلَّى بنا العصر ركعتين،
ثم دخل فسطاطه وأنا أنظر، فصلى ركعتين ".
وقد حكى الشافعي "رحمه الله " هذه الأحاديث الثلاثة عن
علي رضي الله عنه ثم قال:
هذه أحاديث يخالف بعضها بعضاً، قال الشيخ: فالواجب علينا
اتباع ما لم يقع فيه الخلاف، ثم يكون مخصوصاً بما لا سبب لها
من الصلوات، ويكون ما لها سببٌ مستثناةً من النهي بخبر
أم سلمة وغيرها، والله اعلم (السنن الكبرى 2/ 459).
وقد أجاب الشيخ الألباني "رحمه الله " عن دعوى الاختلاف بين الحديثين، فقال:
(وهذا "يعني حديث عاصمٍ بن ضمرة " لا يخالف الحديث الأول " يريد
حديث وهب بن الأجدع " إطلاقاً؛ لأنه إنما ينفي أن يكون النبي
صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد صلاة العصر.
والحديث الأول لا يُثبت ذلك حتى يُعارِضَ هذا، وغاية مافيه أنه يدلُّ
على جواز الصلاة بعد العصر إلى ما قبل اصفرار الشمس وليس
يلزم أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم كل ما أثبت جوازه بالدليل
الشرعي كما هو ظاهر.
نعم، قد ثبت عن أم سلمة وعائشة "رضي الله عنهما " أن النبي
صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين سنة الظهر البعدية بعد صلاة
العصر وقالت عائشة: إنه صلى الله عليه وسلم داوم عليها بعد ذلك،
فهذا يعارض حديث عليٍ الثاني، والجمع بينهما سهل، فكلٌ حدَّثَ
بما علم،ومن علم حجةٌ على من لم يعلم …).
السلسلة الصحيحة (1/ 389؛ حديث رقم "200 ").
وهذا الجواب مُقنِعٌ – فيما يظهر لي – فلا تعارض بين حديث (وهب
ابن الأجدع) وَحديث (عاصم بن ضمرة)، وكذلك لا تعارض بين حديث (عاصم بن ضمرة) وحديث (أمِّ سلمة وَ عائشة).
ولكن التعارض هو فيما بين الأحاديث الصريحة التي ذكرتهُا سابقاً وبين حديث وهب بن الأجدع.
ولم أجد للشيخ الألباني "رحمه الله " جواباً عن هذه الأحاديث، وإن كان قد أجاب عن بعض الألفاظ المطلقة؛ كرواية: (لا صلاة بعد العصر …)
وهو جوابٌ مقبول لولا تلك الروايات الصريحة التي تبيِّن أن النهي يدخل بمجرَّد الفراغ من الصلاة.
وختاماً، أقول:
لستُ أجزم في هذه المسألة بقولٍ معين، وإن كنتُ إلى المنع أَمْيَلُ مني إلى الجواز، لعموم أحاديث النهي وصراحتِها، ومَنْ رأى الجواز فعنده ما يُسند قولَه؛ وله في ذلك قدوةٌ.
ولذلك لمَّا ذكر الحافظُ ابن رجبٍ "رحمه الله " قولَ الإمام أحمد:
(لا نفعله؛ ولا نعيبُ فاعله)
¥