ووقتها: هو باتفاق أهل الطب في النصف الثاني من الشهر، كما قال ابن القيم بعد أن ساق أحاديث التوقيت: (وهذه الأحاديث موافقة لماأجمع عليه الأطباء أن الحجامة في النصف الثاني – يعني من الشهر - وما يليه من الربع الثالث من أرباعه أنفع من أوله وآخره وإذا استعملت عند الحاجة إليها نفعت أي وقت كان من أول الشهر وآخره .. ) ثم قال: (واختيار هذه الاوقات للحجامة فيما إذا كانت على سبيل الاحتياط والتحرز من الأذى وحفظا للصحة وأما في مداواة الامراض فحيثما وجد الاحتياج إليها وجب استعمالها) (زاد المعاد 4/ 59 - 60)، و نقله ابن حجر أيضا في الفتح (10/ 157).
و لكن هل ورد في الباب شيء مسند صحيح إلى النبي e ؟
الجواب:
يجيبك عليه أئمة الصناعة الحديثية:
1 – قال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله تعالى: (ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم [فيها] شيء إلا أنه أمر بها) (الموضوعات 3/ 509 – ط السلف، و المغني لابن بدر الموصلي ص: 517 مع جنة المرتاب، و ما بين المعقوفتين من المغني)
2 - نقل الخلال عن أحمد أنه كره الحجامة في الأيام المذكورة وأن الحديث لم يثبت.
و قال حنبل بن إسحاق كان أحمد يحتجم أي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت. (الفتح 10/ 158 - السلفية)
قال ابن الجوزي: (و قد كره أحمد بن حنبل الحجامة يوم السبت و الأربعاء لحديث روي عن الزهري مرسلا غير مرفوع و قال: يعجبني أن يتوقى ذلك) (الموضوعات 3/ 504 – ط السلف).
3 - و قال العقيلي رحمه الله تعالى: (وليس في هذا الباب في اختيار يوم للحجامة شيء يثبت) (الضعفاء 1/ 150)
و نقله ابن حجر بلفظ (وليس في الحجامة شيء يثبت لا في الاختيار ولا في الكراهة) (التهذيب 1/ 419).
و في علل ابن الجوزي (2/ 877) بلفظ: (و ليس يثبت في التوقيت في الحجامة شيءٌ في يوم بعينه ولا في الاختيار و الكراهية شيءٌ يثبت) و كذلك هو في الموضوعات (3/ 509 –ط السلف).
و على نحو آخر في المغني ص: 517 لابن بدر الموصلي.
4 - و قال البرذعي: (شهدت أبا زرعة: لا يثبت في كراهة الحجامة في يوم بعينه ولا في استحبابه في يوم بعينه حديثا، قلت له: حديث أبي بكرة؟ قال: ليس بالقوي ثم قال أجود شيء فيه حديث أنس كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجمون لسبع عشرة ولتسع عشرة وإحدى وعشرين فهذا يوافق الأيام كلها فقلت فحديث معقل بن يسار فحرك رأسه كالمتقي من ذكرى له كأن سلاما الطويل عندكم في موضع لا يذكر قلت فحديث سهيل فحرك رأسه وقال سعيد بن عبد الرحمن عن سهيل) (السؤالات 2/ 757 - 759).
قلت: و هذا النص نفيسٌ جدّا لم أر من وقف عليه من الأئمة و نقله، حتى البوصيري الذي ألف في الحجامة جزءا لم يقف على موضعه مع أهميته الكبيرة.
و هذا شرح ما تضمنه من فوائد و فرائد:
أولا: لا يثبت في كراهة الحجامة في يوم بعينه ولا في استحبابه في يوم بعينه حديثا.
و ثانيا: تضعيف حديث أبي بكرة و حديث معقل، و حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة.
و ثالثا: أن أجود ما في الباب موقوف أنس: (أنس كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجمون لسبع عشرة ولتسع عشرة وإحدى وعشرين).
قلت: حديث أنس هذا وقفت عليه – بفضل الرحيم الرحمن – فقد أخرجه ابن جرير في تهذيب الآثار (1/ 520/رقم: 821 – مسند ابن عباس) قال: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا هشام عن قتادة عن أنس قال: كان أصحاب النبي e يحتجمون لوتر من الشهر.
قلت: هذا سند صحيح غاية.، و لعله لفظ آخر، أو رواية بالمعنى.
و يتأيد بما أخرجه ابن جرير في تهذيب الآثار (822 - مسند ابن عباس)
بسند صحيح من حديث أنس بن سيرين قال: حدثني رفيع أبو العالية قال: (كانوا يستحبون الحجامة لوتر من الشهر.
و رفيع هو: ابن مهران التابعي الكبير، الذي أدرك الجاهلية و أسلم بعد وفاة النبي e ، و سمع جمعا كبيرا من الصحابة: الثقة المجمع على توثيقه.
و لهذا فقولُ أبي العالية (كانوا) عندي = لا أراه إلا يعني بهم: أصحاب النبي e ، فروايته في الأغلب عنهم، و تندر في الكتب روايته عن التابعين.
و في الباب عن التابعين مثله:
فقد أخرج ابن جرير في تهذيب الآثار (823) بسند صحيح عن ابن عون قال: كان يوصي – يعني محمد بن سيرين – بعض أصحابه أن يحتجم لسبع عشرة و تسع عشرة.
¥