أرى والله أعلم-وهذا بعد طول تدبر-أن الغير مشكل عند ابن قدامة هو الذى تستطيع أن تعرّفه مثلما إذا سئلت عن معنى استهزاء الله بالكافرين فتقول هوسخرية الله بهم فعندما فسرت لم تفسر الكيفية أما المشكل الذى ينبغى عدم التعرض لمعناه فهو وإن كنت تعلم معناه فلا تستطيع التعبير عن معناه مثل اليد والقدم والساق فإذا فسرت فتكون فسرت الكيفيةوليس المعنى اللغوى فهذا هو الذى عبر عنه ابن قدامة بالمشكل وساق الآيات على ذلك وأما إذا فسرت بالتأويل كالأشعريةفتكون دخلت فى الذم أيضا لذلك نقل عن الإمام أحمد لا كيف ولا معنى (لذلك أحيانا نجد ابن قدامة مفوضا بالمعنى الذى ذكرته لك وأحيانا تجده مثبتا وهذا هو الذى أوقع فى الحيرة لدى كثير من الإخوة
في كلامك إجمال , فالوجه في اللغة هو مطلق المقابلة , هذا تفسيره عند العرب فوجه الشمس لا يعني وجه الصفحة و وجه الصفحة لا تعني وجه الإنسان .. و هلم جراً
بل و حتى اذا لم نستطع التعبير عن اللفظ بمعناه فليس معنى هذا انه ليس له في نفسه معنى مفهوم يعرفه المتكلم و ان لم يستطع ذكره مثل: الماء فهي لفظة لا يُعبّر عن معناها بأفضل من قراءتها
و حاصل الكلام: ان الصفة تعتبر من حيث هي هي أي بصورة مطلقة لا تقيد بموصوف: كقولنا ان الحياة ضد الموت و البصر إدراك المبصرات و الوجه مطلق المقابلة , فلا تُقيّد بموصوف
او قيامها بمخلوق: فتكون على كيفية معينة لأنها قُيّدت بموصوف , قد نعرف كنهه او نجهل ذلك لأن الشيء لا يمكن إدراكه إلا بمشاهدته، أو مشاهدة نظيره، أو الخبر الصادق عنه، و هذا متحقق في بعض المخلوقات - و لكنه منتف بالنسبة لكيفية صفات الله سبحانه و تعالى -
او قيامها بالله تعالى: كقولنا سمع الله تعالى و حياته .. الخ فحياته جل و علا ليست كحياة الإنسان و بصره تعالى ليس كبصر الانسان بل هو تعالى ليس كمثله شيء فإدراك الكيفية منتفٍ عن صفاته عز و جل
و لذلك قال العلامة عثمان بن قائد النجدي الحنبلي رحمه الله - ت 1097 هـ - في هداية الراغب:
(والحاصل أن الصفة تعتبر من حيث هي هي، وتارة من حيث قيامها به تعالى، وتارة من حيث قيامها بغيره، وليست الاعتبارات الثلاث متماثلة؛ إذ ليس كمثله شيء: لا في ذاته، ولا في شيء من صفاته، ولا في شيء من أفعاله، وهو السميع البصير.
فاحفظ هذه القاعدة؛ فإنها مهمة جدا، بل هي التي أغنت السلف الصالح عن تأويل آيات الصفات، وأحاديثها، وهي العاصمة لهم من أن يفهموا من الكتاب والسنة مستحيلا عن الله –تعالى- من تجسيم، أو غيره، ثم بعد إثباتي لهذه القاعدة رأيتها منصوصة في كلام السيد المعين، ثم رأيته قد سبقه إليها العلامة ابن القيم) انتهى.
و التفسير إما تفسير بما يؤدي الى تكييف و هذا منهي عنه او تفسير مطابق للكتاب و السنة كقول اهل السنة ان الله تعالى يقبض الأرض بيده و يطوي السماء بيمينه .... ألخ فهذا هو الإثبات المطلوب
اما المفوض فلا يفهم شيئا من ذلك
و كلام ابن قدامة هنا غاية ما يقال فيه انه غير محرر و انه يقصد المعنى التكييفي و هذا الذي أراد نفيه , و قد سبق و قال في اللمعة:
(فهذا وما أشبهه مما صح سنده وعدلت رواته نؤمن به ولا نرده ولا نجحده ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره ولا نشبهه بصفات المخلوقين ولا بسمات المحدثين ونعلم أن الله سبحانه وتعالى لا شبيه له ولا نظير (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) الشورى 11 وكل ما تخيل في الذهن أو خطر بالبال فإن الله تعالى بخلافه.)
فما هو الظاهر عنده حتى يعرف ان هذا التأويل مخالف له؟
و حتى العلامة السفاريني الحنبلي رحمه الله - و هو الذي جاء إليه جماعة من طلبة العلم النجديين و قرؤوا عليه في لمعة الاعتقاد و غيرها و يعرف كلام ابن قدامة جيدا - يقرر ان التفويض البدعي انما هو قول أهل التجهيل و كلامه مبسوط في لوامع الانوار
ـ[محمد براء]ــــــــ[05 - 07 - 08, 12:13 م]ـ
ما دام مفوضاً فلماذا أجاب شيخ الإسلام بكلامه عندما سئل هذا السؤال:
ما قولكم في مذهب السلف في الاعتقاد ومذهب غيرهم من المتأخرين، ما الصواب منهما؟ وما تنتحلونه أنتم من المذهبين؟ وفي أهل الحديث: هل هم أولى بالصواب من غيرهم؟ وهل هم المرادون بالفرقة الناجية؟ وهل حدث بعدهم علوم جهلوها وعلمها غيرهم؟
¥