وثمة واجب آخر فرضه الله عز وجل على طائفة من عباده المؤمنين، لا يسعهم النكوص عنه ولا التنصل منه، وهو النصيحة في الدين، وجهاد المخالفين، وفاءً بعهد الله وميثاق الكتاب المبين.
قال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) (آل عمران: 187)، وقال: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) (البقرة: 159).
قلت: من أجل ذلك كتبت هذا الرد، واقتصرت فيه على أمهات الأخطاء الواردة في كتابي " الذخائر " و " شفاء الفؤاد "، وتركت بقيتها بغية الاختصار. وجعلته في مقدمة، ذكرت فيها أصل الدين وحقيقة الإسلام ومعنى لا إله إلا الله، وذكرت نبذة عن الشرك ونشأته في الأمم من زمن قوم نوح عليه السلام، وأشرت إلى وسائله وطرقه الموصلة إليه وأهمها: الغلو في الصالحين والعكوف على قبورهم.
ثم شرعت في بيان أخطاء المخالف والرد عليها، وضمنتها في ثلاث أبواب:
الباب الأول: بينت فيه حقيقة ما يدعو إليه المخالف من الدعوة إلى الشرك بنوعية: شرك العبادة، وشرك الربوبية.
الباب الثاني: ذكرت فيه افتراء المخالف على الملائكة الكرام ورميهم بالشرك والكفر.
الباب الثالث: برهنت فيه على نقض المخالف أركان الإيمان الأربعة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبه ختمت الكتاب، وهو القسم الأول من الرد، وسميته: " جلاء البصائر في الرد على كتابي شفاء الفؤاد والذخائر ".
وبعد، فقد بقيت مسائل مهمة أوردها المخالف في كتابيه المذكورين، وهي مما يحتاج إلى جلاء وتوضيح، ومنها على سبيل المثال:
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي من أولى المسائل التي أثارها المخالف وجعل يدندن حولها في كل مجلس وفي كل تأليف، وهي من الدعاوى العريضة التي دأب المخالفون على التشغيب بها والتستر بها على مر العصور.
ومنها مسألة شد الرحل إلى القبر النبوي، وقد طال فيها الجدال والمراء من عهد بعيد.
ومنها مسألتا التوسل والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، وكذا سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ومنها حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره.
إلى غير ذلك من المسائل التي أثار فيها المخالف الجدال وأورد حولها الشبهات.
ولأن الكلام فيها يطول فقد أفردتها في كتاب آخر وهو القسم الثاني من الرد، وسميته:
"الكشف والتبيين عن شبهات المخالفين"
والحمد لله في الأولى وفي الآخرة وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله.
هذه هي الحلقة السادسة من كتاب "جلاء البصائر في الرد على كتابي " شفاء الفؤاد " و"الذخائر ") للشيخ سمير المالكي حفظه الله:
المقدمة
اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.
ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله.
وقالوا لا تذرن آلهتكم.
سد ذرائع الشرك.
ألا فلا تتخذوا القبور مساجد.
لا تغلوا في دينكم.
**
(اعبدوا الله ما لكم إله غيره)
اعلم - رحمك الله - أن حقيقة دعوة الرسل ومبناها وأسها على توحيد الله عز وجل وإفراده بالعبادة وإخلاصها له وعدم إشراك شيء معه، أياً كان هذا الشيء، ملكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً أو حجراً أو شجراً أو غير ذلك من الأوثان والأنداد والأصنام.
ولم يخلق الله الخلق ولا بعث إليهم الرسل إلا لهذه الغاية العظمى، عبادة الله وحده لا شريك له. قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (الذاريات: 56)، أي ليوحدوني (" تفسير القرطبي " (17/ 56)).
وقال: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) (النحل: 36).
وقال عز وجل: (لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (الأعراف: 59).
وهذه دعوة أول رسول بعد حدوث الشرك، ولم تزل كذلك دعوة من بعده، هود وصالح وشعيب عليهم السلام (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره).
وهذه الدعوة هي حقيقة معنى لا إله إلا الله، فإن الإله هو المألوه المعبود بالمحبة والخشية والإجلال والتعظيم وسائر أنواع العبادات القولية والعملية، ويدل على ذلك قوله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) (الأنبياء: 25).
¥