تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المسألة الأولى: أن فرضية النظرية النسبية الخاصة المتعلقة ب "مطلقية" سرعة الضوء تثير الريبة في قلوب البعض لأن كلمة "مطلق" كترجمة للكلمة " absolute" تتعارض مع علم البعض بأنه لا "مطلق" في هذه الحياة وكل الأمور المخلوقة محدودة ونسبية. أما صفة المطلقية فهي لله وحده في أسمائه وصفاته وأفعاله. والحقيقة أن هذا كلام وجيه ولكن يجب أن يعلم أننا نفرق بين دلالة "مطلق" أو " absolute" نسبة إلى سائر السرعات الدنيوية وبين دلالة "مطلق" بالنسبة "لأمر" الله تعالى، ومن هذا الوجه (أي الأخير) يكون كلامكم في محله لأن "أمر" الله أسرع من سرعة الضوء وأي سرعة كانت، "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" أما نسبة سرعة الضوء لسائر السرعات الكونية فهي سرعة مطلقة أي لا يوجد في الطبيعة "الدنيوية المخلوقة" سرعة أعظم من سرعة الضوء. ولذلك اتخذ العلماء وأولهم اينشتاين الضوء معياراً مرجعياً لتحديد النسب المكانية والزمانية للأجسام. وهنا فائدة مهمة استجليتها من كلام شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله (وأرجو نسبة هذا الرأي لي قبل أن ينسب لغيري!) وهو تعريفه للزمان بأنه:"مقدار الحركة" قال في الفتاوى:"والزمان هو مقدار الحركة" وهذه الاشارة البسيطة العابرة (بغض النظر عن مقصد الشيخ فلا علم لنا به) تحمل أصلاً عظيماً من أصول النسبية الخاصة إذ أن الزما ن في النسبية الخاصة بالفعل متعلق بمقدار الحركة فكلما تناقصت سرعة حركة جسم ما عن سرعة الضوء تباطأ لديه الزمن في "إطاره المرجعي" ( frame of refernce) وكلما اقتربت سرعة حركة ما من سرعة الضوء تسارع الزمن لتلك الحركة او الجسم المتحرك، وواضح من كلام شيخ الاسلام عدم إيمانه بمطلقية الزمان كمسرح منفصل عن الوجود تعمل فيه الحوادث، وهو ما دلت على النسبية الخاصة بتصحيحها لنفس المفهوم السابق والذي كان من مباديء النظرية النيوتنية فأصبح الزمن بعداً رابعاً بالإضافة إلى سائر الأبعاد الثلاثة. ولذلك يقسم هوكنج الزمن إلى ثلاثة أقسام: الزمن النفسي والزمن الثرموديناميكي والزمن الكوني وكل من هذه الأزمنة وجوه مختلفة لحقيقة مفهوم واحد هو الزمن في ذاته وتترابط هذه الثلاثة ببعضها البعض فيكون النفسي ما نعبر به باستعمال الأزمنة في الأفعال في اللغة من كون هذا حدث في الماضي وهذا الآن (مضارع) وهذا في المستقبل وأما الزمان الكوني فهو الزمان الناشيء عن حركة الأجرام بالنسبة لبعضها البعض كزماننا ناشيء عن حركة الأرض حول الشمس إضافة إلى مجموع حركات المجرة والأجرام بتفاوت واختلاف له أثره في تكوين الزمان الكوني الذي ندركه فيتكون لدينا في أذهاننا زماناً نفسياً. أما الزمان الثرموديناميكي فيتمثل في قانون الانتروبي وهو كما يعرفه سايمون بلابرن:"مقدار الفوضى لمحتوى نظام مغلق" التي تتزايد مع مرور الزمن فهل الزمن والفوضى وجهان لعملة واحدة؟ ومنه استنبط العلماء المؤمنون بالخلق فرضية نهاية الكون بما يسمونه "الموت الحراري" أو ( Heat Death) ولكن هناك خلاف كبير حول هذه الفرضية وإن كان لا يهمنا لأننا مؤمنون بنهاية محتومة للكون ولكل أجل كتاب. ولكن ما علاقة كل ماذكرت بهذا الموضوع؟

الجواب: أنه هناك عدة قضايا تدخل في مسألة الزمن ولم تحسم قضيته بعد فهناك عدة عوامل تتضافر لإعطاء الزمن معناه. وسرعة الضوء لا تعدو كونها تفسيراً واحداً لقضية خاصة في مفهوم الضوء.

أما المسألة الثانية فهي أن نقض الفرضية فيزيائياً لا يلزم منه أن يتبع نقض الفرضية رياضياً وكذلك العكس فلا يلزم من نقض الفرضية رياضياً أن يستتبعها نقضها فيزيائياً وخاصة إذا كان المنهج المتبع منهجاً "استنباطياً" أكثر من كونه "استقرائياً" لأن منهج الاستنباطي يبدأ بمقدمة او مسلمة ويعممها والمنهج الاستقرائي يبدأ بملاحظة أفراد القضية الفيزيائية ومن ثم تأطيرها بقانون عام ولا شك أن الثاني أحوط وأسلم ولذلك ينشأ الخلاف كثيراً في القضايا الفيزيائية بسبب تبني احد التفسيرين (الفيزيائي والرياضي) منهجاً مختلفاً من قبل شخص واحد أو من قبل أشخاص مختلفين.

والخلاصة أن النظرية النسبية لاتتعارض بالتفريق الذي ذكرناه في اول المقال مع النظرة الشرعية وأما من الناحية العلمية الطبيعية فإنها لا زالت تكتسب مزيداً من المصداقية مع مرور الوقت وإن كانت بعض مسلماتها لا تستقيم كاملة كما أشار إليه أخونا المستمسك بالحق.

وعليه فنفرق بين نسبة سرعة دنيوية إلى سرعة دنيوية أخرى ومنه مثال سرعة الضوء بالنسبة لسرعة الأجسام الأخرى ومن هذا الباب تكون سرعة الضوء مطلقة أي "حدية" بهذا الاعتبار. ولذلك حتى في القرآن والسنة لم يرد ان هناك سرعة أسرع من سرعة الضوء ففي الحديث:"يجمع الله الناس فذكر الحديث إلى أن قالا:فيأتون محمدا فيقوم ويؤذن له، وترسل معه الأمانه والرحم، فتقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا، فيمر أولكم كالبرق قال:قلت:بأبي أنت وأمي! أي شيء كمر البرق؟ قال:ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين .... " الحديث وهو صحيح، أقول نجد أن أسرع سرعه ممكنة عبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم هي "سرعة البرق" والبرق لا شك من الضوء.

وكذلك قضية نسبة سرعة دنيوية إلى سرعة الأمر الرباني فنقول حينئذٍ أن السرعة الضوئية باعتبارها دنيوية غير مطلقة بهذا الاعتبار ويوجد ما هو أسرع وهو الأمر الرباني بل إني أرى والله أعلم أن سرعة الملائكة أعظم من سرعة الضوء لطبيعتهم فهم من "نور" والنور غير الضوء لأنه أخف وألطف كما ذكرته كتب اللغة أو لخاصة وهبهم الله إياها غير ذلك وذلك لأنها تتنزل بالأمر من الله ومن اوامر الله ما يكون فوري التنفيذ فكيف تكون سرعة الضوء مطلقة حينئذ إذا كانت تحتاج أحيانا للآلاف من السنين لقطع المسافة عبر مجرتنا مثلاً فضلاً عن أعظم من ذلك. والغرض أيها الأخوة حمل قول العلماء بأن الضوء "مطلق" السرعة على أنه بالنسبة لسائر السرعات الممكنة للأجسام المخلوقة الموجودة.

ما كان من صواب فمن الله وحده وتوفيقه وما كان من زلل فهذا لا يستغرب من مثلي كبشر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير