بل حتى الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – استشهد ببعض أبياتها في كتابه " مفيد المستفيد "، والصنعاني مات قبل وفاته بأكثر من عشرين سنة، فلو ظهر منه تراجعاً لذاع ذلك، ولما سكت عنه أحد من الأئمة من دون ردّ وبيان خاصة وأن الحالة كهذه توجب الرد أولى من غيرها.
وقد ذكر الشيخ ابن سحمان أن في " القصيدة " و " شرحها " أحداثاً لم تقع إلاّ بعد موت الصنعاني، فقال:
وكل الذي قد قال في النظم أولاً ******* يعود على القول المزوّر بالهدِ
لمن كان ذا قلبٍ خلّيٍ من الهوى ******* فقد عاشر عصراً بعد ما قال في العقدِ
ولم يبدِ رداً أو رجوعاً عن الذي ******* تقدم أو طعناً بأوضاع ذي الحقدِ
إلى أن تقضى ذلك العصر كلّه ******** ولم يشتهر ما قيل من كلّ ما يبدي
وتصديق ذا أن الذي قال لم يكن ******* ولا صار هذا القتل والنهب في نجدِ
لمن بايعوا طوعاً على الدين والهدى ******* ولم يجعلوا لله في الدين من ندِّ
إلى آخر ما نظم رحمه الله.
وللفائدة ليعلم أن قصيدة الصنعاني أنشدها عام (1163هـ)، كما صرّح بذلك في " ديوانه " [صحيفة: 128هـ]، فقال: (لما طارت الأخبار بظهور عالم في نجد يقال له: محمد بن عبدالوهاب، و وصل إلينا بعض تلاميذه، وأخبرنا عن حقائق أحواله، وتشميره في التقوى، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اشتاقت النفس إلى مكاتبته بهذه الأبيات سنة 1163هـ، وأرسلناها من طريق مكة المشرفة ... ).
وكتابه " تطهير الاعتقاد " ألفه عام (1164هـ)، كما في كتاب [مصلح اليمن محمد بن إسماعيل الصنعاني: صحيفة: 117].
وقد حاول هذا الكاذب إحكام هذه الفرية، وتركيبها بقوله في شرحها على لسان الأمير الصنعاني: (لما بلغت هذه الأبيات نجداً وصل إلينا بعد أعوام من بلوغها رجل عالم يسمى الشيخ مربد بن أحمد التميمي كان وصوله في شهر صفر عام ست وسبعين ومائة وألف (1176هـ)، وأقام لدينا ثمانية أشهر وحصل بعض كتب ابن تيمية وابن القيم بخطه وفارقنا في عشرين من شوال سنة رجع إلى وطنه وصل من طريق الحجاز مع الحجاج وكان من تلامذة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي وجهنا إليه الأبيات، وأخبرنا ببلوغها ولم يأت بجواب عنها، وكان قد تقدم في الوصول إلينا بعد بلوغها الشيخ الفاضل عبد الرحمن النجدي ووصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أشياء أنكرناها من سفك الدماء ونهب الأموال وتجاريه على قتل النفوس ولو بالاغتيال وتكفيره الأمة المحمدية في جميع الأقطار) (3).
قلت: وهذا الكلام كذب محض، ويدل على أن مربداً له يدٌ في حبك هذه الكذبة وتلفيقها على لسان الصنعاني، قال شيخ مشايخنا ابن سحمان رحمه الله تعالى في كتابه المذكور: (ورسوله فاعلم أن هذا الرجل الذي يسمي مربد بن أحمد رجل من أهل حريملا لا يعرف بعلم ولا دين ولا كان من تلامذة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (4) رحمه الله تعالى ولم يكن له قدم صدق في هذا الدين ولا معرفة له، بل كان ممن شرق بهذا الدين لما أظهره الله ودخل الناس في دين الله أفواجاً وكان قد ألِفَ ما كان عليه قومه من الشرك بالله من دعاء الأولياء والصالحين وغير ذلك مما كان عليه أهل الجاهلية، وداخله بعض الحقد والحسد فأوجب له ذلك تلفيق ما موه به من الأكاذيب والترهات على الشيخ محمد رحمه الله وفرّ إلى صنعاء لما دخل أهل نجد في دين الله، ولم يكن له في نجد مساعد على هذه الأكاذيب.
وكذلك الرجل الآخر المسمى بعبد الرحمن النجدي لم يكن من أهل العلم والدين ولا يعرف له نسب ينتمي إليه بل كان من غوامض الناس الخاملين وقد انقرض عصر الدرعية وبعده بأعوام لم نسمع لهذين الرجلين بخبر ولم نقف لهما على أثر وكان قد دخل أهل اليمن في ولاية المسلمين وعرفوا صحة هذا الدين ولم يشتهر هذا النظم عن الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله ولا هذا الشرح ولا ثبت هذا الرجوع عنه ولا ظهر ولا اشتهر في تلك المدد المديدة والسنين العديدة، حتى جاء هذا المزور فوضع هذه المنظومة وجعل عليها هذا الشرح اللائق به، فلله الحمد وله المنة حيث كان نظامه واعتراضه بهذه المثابة).
¥