ـ[عبدالباري]ــــــــ[15 - 04 - 03, 08:39 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
دائرة الكفر:
1 - تشمل أمورا (مادتها معرفية) تتعلق (بقول القلب) الذي يقبل عدم اكتماله بوجود بعض العلم و غياب بعضه الآخر، فهو يتبعض و يزيد و ينقص، فيُتصور الجهل بها و بالتالي العذر بجهلها، ..
2 - و تشمل دائرة أخص، و هي (دائرة الشرك) و التي مادتها (إخلاصية) تتعلق (بعمل القلب) الذي لا يقبل التجزئة و التبعض، فلا يمكن أن يقال (إن فلانا نذر لله وحده، و نذر للوثن، في نفس الحال) .. و هذه الدائرة ليست مادتها معرفية فلا يدخلها (ضد المعرفة) و هو الجهل، بل إخلاصية، تُنتقض بوقوع الشرك من المكلف.
و الإنسان إما أن يكون موحدا أو أن يكون مشركا، ليس هناك قسم ثالث، و المسلم لا يمكن أن يكون إلا موحدا لم ينتقض (إخلاصه) بشيء من الشرك الأكبر، و إن جاز أن يضعف توحيده بأشياء من وسائل الشرك، أو الشرك الأصغر التي لا تنقض التوحيد بل تؤثر في كماله الواجب، فمن لم يكن موحدا لم يكن معدودا من جملة المسلمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ولهذا كان كل من لم يعبد الله وحده فلابد أن يكون عابدا لغيره يعبد غيره فيكون مشركا و ليس في بني آدم قسم ثالث بل إما موحد أو مشرك أو من خلط هذا بهذا كالمبدلين من أهل الملل النصارى و من أشبههم من الضلال المنتسبين الى الاسلام ... فكل من لم يعبد الله مخلصا له الدين فلابد أن يكون مشركا عابدا لغير الله و هو فى الحقيقة عابد للشيطان " اهـ. من مجموع الفتاوى 14/ 282 - 284.
و حتى بعض المحققين من أهل العلم الذين يرون العذر بالجهل يشمل الشرك الأكبر، يقيدون هذا بقيود و يضبطونه بضوابط مهمة، فلا يطلقون العذر بالجهل و يوسعون دائرته ليشمل من لا يُعذرون ..
و مثاله: الذين يدعون البدوي و الحسين و عبدالقادر في عصرنا، و أعلام التوحيد مرفوعة، و دعاة الحق منتشرون، و لكن المشركين لا يرفعون بذلك رأسا، بل أخلدوا إلى تقليد الآباء و الأجداد، و التقليد الأعمى لمشايخ الضلال، و هم يسمعون بدعوة التوحيد و يسمون أهلها بالوهابية، أو بالسنية، و يعلمون أن هؤلاء الوهابية ينهون عن دعاء الأموات و النذر و الذبح لهم .. الخ.
قال الشيخ الفاضل:
"ومن الضوابط التي يقاس عليها هنا: حال الناجين والهالكين من العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. فقد كانوا متعبدين بدين إبراهيم مع مادخله من التبديل، وأدرك بعضهم التوحيد وترك عبادة الأوثان بالسعي والسؤال كزيد بن عمرو بن نفيل، وأخلد آخرون إلى تقليد ماعليه قومهم، وهؤلاء أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كفار معذبون.
فإذا كانت الحجة قد قامت بدين إبراهيم ــ رغم تحريفه ــ على هؤلاء، مع ندرة من كان يعلم الحق أو بعضه منهم، فكيف يعذر الناس بالجهل في هذه البلاد إذا وقعوا في نواقض الإسلام، مع تيسر أسباب التعلم وكثرة المجاهرين بالحق والعاملين به؟.
وفي هذا قال الشيخ عبدالعزيز بن باز (الأمور قسمان: قسم يعذر فيه بالجهل وقسم لايعذر فيه بالجهل. فإذا كان من أتى ذلك بين المسلمين، وأتى الشرك بالله، وعبد غير الله، فإنه لايعذر لأنه مقصر لم يسأل، ولم يتبصر في دينه فيكون غير معذور في عبادته غير الله من أموات أو أشجار أو أحجار أو أصنام، لإعراضه وغفلته عن دينه، كما قال الله سبحانه: (والذين كفروا عما أنذروا معرضون). ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما استأذن ربه أن يستغفر لأمه لأنها ماتت في الجاهلية لم يؤذن له ليستغفر لها، لأنها ماتت على دين قومها عبّاد الأوثان، ولأنه صلى الله عليه وسلم قال لشخص سأله عن أبيه، قال: «هو في النار»، فلما رأى مافي وجهه قال: «إن أبي وأباك في النار». لأنه مات على الشرك بالله، وعلى عبادة غيره سبحانه وتعالى،
فكيف بالذي بين المسلمين وهو يعبد البدوي، أو يعبد الحسين، أو يعبد الشيخ عبدالقادر الجيلاني، أو يعبد الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم، أو يعبد علياً أو يعبد غيرهم. فهؤلاء وأشباههم لايعذرون من باب أولى، لأنهم أتوا الشرك الأكبر وهم بين المسلمين، والقرآن بين أيديهم .. وهكذا سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودة بينهم، ولكنهم عن ذلك معرضون.
والقسم الثاني: من يعذر بالجهل كالذي ينشأ في بلاد بعيدة عن الإسلام في أطراف الدنيا، أو لأسباب أخرى كأهل الفترة ونحوهم ممن لم تبلغهم الرسالة، فهؤلاء معذورون بجهلهم، وأمرهم إلى الله عزوجل، والصحيح أنهم يمتحنون يوم القيامة فيؤمرون، فإن أجابوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار لقوله جل وعلا: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ولأحاديث صحيحة وردت في ذلك.
وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله الكلام في هذه المسألة في آخر كتابه: (طريق الهجرتين) لما ذكر طبقات المكلفين، فليراجع هناك لعظم فائدته) اهـ من (مجموع فتاوى ابن باز) جمع محمد بن سعد الشويعر، جـ 4 صـ 26 ــ 27، وموجود بنصه في (مجلة البحوث الإسلامية) الصادرة عن دار الإفتاء بالسعودية، عدد 25 صـ 85 ــ 86.
وبمثل هذا قال الشيخ عبدالرحمن بن قاسم الحنبلي ــ جامع فتاوى ابن تيمية ــ في كتابه (السيف المسلول على عابد الرسول) صـ 11 ــ 12. " اهـ النقل.
¥