تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- موضحاً هذا المعنى في كتاب الإيمان: " ومما يدل من القرآن على أن الإيمان المطلق مستلزم للأعمال قوله تعالى:?إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذُكّروا بها خَرُّوا سُجَّداً وسَبَّحوا بحمدِ ربِهِمْ وهم لا يستكبرون?. فنفى الإيمان عن غير هؤلاء، فمن كان إذا ذُكِّرَ بالقرآن لا يفعل ما فرضه الله عليه من السجود لم يكن من المؤمنين، وسجود الصلوات الخمس فرض باتفاق المسلمين، وأما سجود التلاوة، ففيه نزاع، وقد يحتج بهذه الآية من يوجبه، لكن ليس هذا موضع بسط هذه المسألة، فهذه الآية مثل قوله:?إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم? وقوله:?إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم?، وقوله?إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه?، ومن ذلك قوله تعالى:?عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ? لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين ? إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون?.

وهذه الآية مثل قوله:?لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوَادُّون من حادَّ الله ورسوله?، وقوله:?ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتَّخَذُوهُمْ أولياء?. بين سبحانه أن الإيمان له لوازم، وله أضداد موجودة تستلزم ثبوت لوازمه وانتفاء أضداده، ومن أضداده موادة من حاد الله ورسوله، ومن أضداده استئذانه في ترك الجهاد، ثم صرح بأن استئذانه إنما يصدر من الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ودل قوله:?والله عليم بالمتقين? على أن المتقين هم المؤمنون ".

ثالثاً: تارك العمل مطلقاً - يسلب الإيمان -:

وقد أجمع سلف الأمة أن إيمان القلب مستلزم لعمل الجوارح، وأن من ترك العمل بالجوارح مطلقاً فهو كاذب في دعوى الإيمان، بل إنه يسلب الإيمان بعدم الاستجابة، كما قال تبارك وتعالى عن الكفار?ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طُغْيانِهِم يعمهون?. وقال سبحانه عن اليهود?وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فقليلا ما يؤمنون?.

وحذر الله المؤمنين من ترك الاستجابة، فقال لهم:?يا أيها الذين ءامنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون?. وهذه أصرح الآيات في أن الله يعاقب من لا يستجيب لأمره بطمس بصيرته، ورده إلى الكفر، والحيلولة بينه وبين الإيمان، كما فعل بإبليس الذي امتنع عن السجود لآدم ?، وكما فعل بفرعون الذي علم الحق، فلما رده ولم يذعن طبع الله على قلبه، وطمست بصيرته، وكما فعل بالمنافقين:?مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون?، وكما فعل باليهود:?فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الكافرين?.

وكذلك من زعم بلسانه أنه مؤمن بالله ورسوله، ولكنه لم يفعل شيئاً مما أمره الله به، ولم ينته عن شيء مما نهاه الله عنه؛ فكيف يكون عنده أصل الإيمان، أو في قلبه مثقال ذرة من خير ... فلو كان مؤمناً حقاً لفعل.

وهذا ما أجمع عليه أهل السنة والجماعة من أن العمل جزء من الإيمان ولازمه، ومقتضاه، وأنه لا يكون إيمان بغير عمل.

وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا الأمر في مواطن كثيرة من كتبه فمن ذلك في العقيدة الأصفهانية:

" وأيضاً فإن تصديق القلب يتبعه عمل القلب؛ فالقلب إذا صدق بما يستحقه الله تعالى من الألوهية، وما يستحق الرسول من الرسالة تبع ذلك ?لا محالة- محبة الله سبحانه ورسوله ? وتعظيم الله ? ورسوله، والطاعة لله ورسوله أمر لازم لهذاالتصديق لا يفارقه إلا لعارض من كبر أو حسد أو نحو ذلك من الأمور التي توجب الاستكبار عن عبادة الله تعالى، والبغض لرسوله ?، ونحو ذلك من الأمور التي توجب الكفر ككفر إبليس وفرعون وقومه واليهود وكفار مكة وغير هؤلاء من المعاندين الجاحدين، ثم هؤلاء إذا لم يتبعوا التصديق بموجبه من عمل القلب واللسان وغير ذلك، فإنه قد يطبع على قلوبهم حتى يزول عنها التصديق كما قال تعالى: {وإذ قال موسى لقومه لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير