تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم? فهؤلاء كانوا عالمين، فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم، وقال موسى لفرعون:?لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر? وقال تعالى: ?وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب? إلى قوله تعالى:?كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار? وقال تعالى:?وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ? ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون?.

فبين سبحانه أن مجيء الآيات لا يوجب الإيمان بقوله تعالى?وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ? ونُقلبُ أفئدَتَهم وأبصارهم? أي فتكون هذه الأمور الثلاثة أن لا يؤمنوا وأن نقلب أفئدتهم وأبصارهم وأن نذرهم في طغيانهم يعمهوم أي وما يدريكم أن الآيات إذا جاءت تحصل هذه الأمور الثلاثة، وبهذا المعنى تبين أن قراة الفتح أحسن. وأن من قال أن المفتوحة بمعنى لعل فظن أن قوله:?ونقلبُ أفئدتِهم? كلام مبتدأ لم يفهم معنى الآية، وإذا جعل ونقلب أفئدتهم داخلاً في خبر أن تبين معنى الآية فإن كثيراً من الناس يؤمنون، ولا تقلب قلوبهم لكن يحصل تقليب أفئدتهم وأبصارهم، وقد لا يحصل، أي فما يدريكم أنهم لا يؤمنون؟ والمراد: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون، بل نقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة، والمعنى وما يدريكم أن الأمر بخلاف ما تظنونه من إيمانهم عند مجيء الآيات، ونذرهم في طغيانهم يعمهون، فيعاقبون على ترك الإيمان أول مرة بعد وجوبه عليهم إما لكونهم عرفوا الحق وما أقروا به، وتمكنوا من معرفته فلم يبطلوا معرفته، ومثل هذا كثير.

والمقصود هنا أن ترك ما يجب من العمل بالعلم الذي هو مقتضى التصديق قد يفضي إلى سلب التصديق والعلم كما قيل: " العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل " وكما قيل: " كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به، فما في القلب من التصديق بما جاء به الرسول ? إذا لم يتبعه موجبه ومقتضاه من العمل قد يزول؛ إذ وجود العلة يقتضي وجود المعلول، وعدم المعلول يقتضي عدم العلة، فكما أن العلم والتصديق سبب للإرادة والعمل فعدم الإرادة والعمل سبب لعدم العلم، والتصديق ثم إن كانت العلة تامة فعدم المعلول دليل يقتضي عدمها، وإن كانت سبباً قد يختلف معلولها كان له بخلفه أمارة على عدم المعلول قد يختلف مدلولها، وأيضاً فالتصديق الجازم في القلب يتبعه موجبه بحسب الإمكان كالإرادة الجازمة في القلب، فكما أن الإرادة الجازمة في القلب إذا اقترنت بها القدرة حصل بها المراد، أو المقدور من المراد لا محالة فإذا كانت القدرة حاصلة، ولم يقع الفعل كان الحاصل هي لا إرادة جازمة، وهذا هو الذي عُفِيَ عنه.

فكذلك التصديق الجازم إذا حصل في القلب تَبِعَهُ عملٌ من عمل القلب لا محالة لا يتصور أن يَنفَّكَ عنه، بل يتبعه الممكن من عمل الجوارح. فمتى لم يتبعه شيء من عمل القلب علم أنه ليس بتصديق جازم، فلا يكون إيماناً، لكن التصديق الجازم قد لا يتبعه عمل القلب بتمامه لعارض من الأهواء كالكِبْرِ والحسد ونحو ذلك من أهواء النفس لكن الأصل أن التصديق يتبعه الحب، وإذا تخلف الحب كان لضعف التصديق الموجب له، ولهذا قال الصحابة: كل من يعصي الله فهو جاهل، وقال ابن مسعود: " كفى بخشية الله علماً، وكفى بالاغترار جهلاً "، ولهذا كان التكلمُ بالكفرِ من غير إكراهٍ كفراً في نفس الأمر عند الجماعة وأئمة الفقهاء حتى المرجئةِ خلافاً للجهمية ومن اتبعهم، ومن هذا الباب سبُّ الرسولِ ? وبُغضُهُ، وسبُّ القرآنِ وبُغضُهُ، وكذلك سبُّ اللهِ سبحانَه وبُغضُهُ، ونحو ذلك مما ليس من باب التصديق والحب والتعظيم والموالاة، بل من باب التكذيبِ والبغضِ والمعاداةِ والاستخفافِ.

ولما كان إيمان القلب له موجباتٌ في الظاهر؛ كان الظاهر دليلاً على إيمان القلب ثبوتاً وانتفاء، كقوله تعالى?لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادّ الله ورسوله? وقوله ??ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء? وأمثال ذلك ".

رابعاً: الذي أراده الله من العباد هو الإيمان والعمل الصالح:

تفصيل الإمام أبي ثور لمذهب المُرجِئة والزامهم الحُجَّةَ، وأنَّ مَن لم يعمل فهو كافر:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير