تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأخبرنا محمد بن أحمد البصير قال أخبرنا أحمد بن جعفر قال ثنا إدريس بن عبدالكريم المقري قال سأل رجل من أهل خراسان أبا ثور عن الإيمان، وما هو يزيد وينقص؟ وقولٌ هو؟ أو قولٌ وعملٌ؟ وتصديقٌ وعملٌ؟ فأجابه أبو ثور بهذا فقال أبو ثور: سألتَ رحمك الله، وعفا عنا وعنك عن الإيمان: ما هو؟ يزيد وينقص؟ وقولٌ هُوَ؟ أو قول وعمل؟ وتصديق وعمل؟ فأخبرك بقول الطوائف، واختلافهم: فاعلم -يرحمنا الله وإياك- أن الإيمان تصديق بالقلب، والقول باللسان، وعمل بالجوارح، وذلك أنه ليس بين أهل العلم خِلاف في رجل لو قال: أشهد أن الله عز وجل واحد، وأن ما جاءت به الرسل حق، وأُقِرُّ بجميع الشرائع، ثم قال ما عقد قلبي على شيء من هذا، ولا أصدق به أنه ليس بمسلم.

ولو قال: المسيح هو الله، وجحد أمر الإسلام، وقال: لم ينعقد قلبي على شيء من ذلك أنه كافر بإظهار ذلك، وليس بمؤمن، فلما لم يكن بالإقرار إذا لم يكن مع التصديق مؤمناً، ولابالتصديق إذا لم يكن معه الإقرار مؤمناً حتى يكون مصدقاً بقلبه مقراً بلسانه، فإذا كان التصديق بالقلب، وإقرار باللسان، كان عندهم مؤمناً، وعند بعضهم لا يكون حتى مع التصديق عمل، فيكون بهذه الأشياء إذا اجتمعت مؤمناً. فلما نَفَوْا أن الإيمان شيء واحد وقالوا يكون بشيئين في قول بعضهم، وثلاثة أشياء في قول غيرهم، لم يكن مؤمناً إلا بما اجتمعوا عليه من هذه الثلاثة الأشياء، وذلك أنه إذا جاء بالثلاثة أشياء؛ فكلهم يشهد أنه مؤمن، فقلنا بما اجتمعوا عليه من التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، فأما الطائفة التي زعمت أن العمل ليس من الإيمان، فيقال لهم: ما أراد الله عز وجل من العباد إذ قال لهم:?أَقِيمُوا الصلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ? إلا الإقرار بذلك، أو الإقرار والعمل؟ فإن قالت: إن الله أراد الإقرار، ولم يرد العمل فقد كفرت عند أهل العلم مَن قال: إن الله لم يرد من العباد أن يصلوا، ولا يؤتوا الزكاة، فإن قالت: أراد منهم الإقرار والعمل، قيل: فإذا أراد منهم الأمرين جميعاً لم زعمتم أنه يكون مؤمناً بأحدهما دون الآخر، وقد أرادهما جميعاً؟

أرأيتم لو أن رجلاً قال: اعمل جميع ما أمر الله، ولا أُقِرُّ به أيكون مؤمناً؟ فإن قالوا: لا. قيل لهم: فإن قال: أقر بجميع ما أمر الله به ولا أعمل منه شيئاً، أيكون مؤمناً؟ فإن قالوا: نعم. قيل لهم: ما الفرق وقد زعمتم أن الله عز وجل أراد الأمرين جميعاً؟ فإن جاز أن يكون بأحدهما مؤمناً إذا ترك الآخر جاز أن يكون الآخر إذا عمل ولم يُقِرَّ مؤمناً؛ لا فرق بين ذلك.

فإن احتجَّ فقال: لو أن رجلاً أسلم، فأقر بجميع ما جاء به النبي ?، أيكون مؤمناً بهذا الإقرار قبل أن يجيء وقت عمل؟ قيل له: إنما نطلق له الاسم بتصديقه أن العمل عليه بقوله أن يعمله في وقته إذا جاء، وليس عليه في هذا الوقت الإقرار بجميع ما يكون به مؤمناً، وقال أقر ولا أعمل لم نطلق له اسم الإيمان وفيما بينا من هذا ما يُكْتَفَى به.

خامساً: إجماع سلف الأمة أن الإيمان قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان:

أجمع سلفُ الأمة أن الإيمانَ حقيقةٌ مركبةٌ من عناصر ثلاث: شهادةٌ باللسان، وتصديقٌ بالقلب بمعنى هذه الشهادة، وعملٌ بالجوارح، واتفقوا على أنه إذا تخلف عُنْصُرٌ من هذه العناصر تَخَلَّفَ الإيمان، وانتقضَ، ولم يكن لصاحبه إيمان قط .. فإذا لم ينطق بالشهادتين مع الإقرار بهما في قلبه فهو كافر لامتناعه عن الإقرار ظاهراً، ولو كان مِمَّا يعمل مع الإقرار بعضُ أعمالِ الإيمان كما كان الشأن في أبي طالب فإنه كان مُقِرّاً بقلبه أن دين النبي حق، وكان مِمَّنْ يعمل بعض أعمال الإيمان من محبة النبي والدفاع عنه، وإن لم تكن له نية خالصة في ذلك، فقد كان هذا لِلْحَمِيَّةِ والقرابة. ومات كافراً لما امتنع عن النطق بالشهادتين.

ومن نطق بالشهادتين، ولم يكن مقراً بها في قلبه، وعمل أعمال الإسلام من صلاة، وصيام، وزكاة فهو منافق كافر، وهو شَرٌّ من الكافر المُعْلِن للكفر ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير