تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من ادَّعى بلسانه أنه مؤمن، ونطق بالشهادتين، وزعم أنه مصدِّقٌ بها في قلبه، ولكن امتنع من كل أوامر الله، فلم يُطِعْها، وفعل ما حرم الله عليه، وترك ما أوجب الله عليه، فهو كافر، وهذه هي حقيقة بدعة المرجئة الذين قالوا: الإيمان قولٌ باللسان، وتصديق بالقلب فقط، والأعمال لا تدخل في مُسَمَّى الإيمان. وقالت الجهمية مثل قولهم إلا أنهم قالوا: عَمَلُ القلبِ هو المعرفة فقط.

وأهل السنة جعلوا الإيمانَ قولاً وعملاً، قولاً باللسان، وعملاً بالقلب والجوارح فهو معنى قوله تعالى:?سَمِعْنا وأَطَعْنا?، وقد نقل شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب الإيمان إجماع أهل العلم على ذلك، وتفسيرهم لمعنى قولهم أن الإيمان قولٌ وعملٌ فقال: " قال الحميدي: سمعتٌ وكيعاً يقول: أهلُ السنةِ يقولون: الإيمانُ قَوْلٌ وعَمَلٌ، والمرجئة يقولون: " الإيمان قول ". والجهمية يقولون:" الإيمانُ معرِفةٌ ". وفي رواية أُخرى عنه: وهذا كفر. قال محمد بن عمر الكلابي: سمعتُ وكيعاً يقول: الجهميةُ شَرٌّ من القَدَرِيَّةِ، قال: وقال وكيع: المرجئة الذين يقولون: " الإقرارُ يُجزِئُ عن العمل "؛ ومن قال هذا فقد هَلَكَ؛ ومن قال: النية تُجزِئُ عن العمل، فهو كفر، وهو من قول جهم، وكذلك قال أحمد بن حنبل.

ولهذا كان القول: أن الإيمان قول وعمل عند أهل السنة من شعائر السنة، وحكى غير واحد الإجماع على ذلك، وقد ذكرنا عن الشافعي -رضي الله عنه- ما ذكره من الإجماع على ذلك قوله في (الأم): وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون: إن الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر؛ وذكر ابن أبي حاتم -في مناقبه: سمعتُ حرملة يقول: اجتمع حفص الفرد، ومصلان الأباضي عند الشافعي في دار الجروي، فتناظرا معه في الإيمان، فاحتج مصلان في الزيادة والنقصان، وخالفه حفص الفرد، فحمى الشافعي، وتقلد المسألة على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فطحن حفصاً الفرد، وقطعه.

وروى أبو عمرو الطلمنكي بإسناده المعروف عن موسى بن هارون الحمال قال: أملى علينا إسحاق بن راهويه أن الإيمان وقول وعمل يزيد وينقص، لا شك أن ذلك كما وصفنا، وإنما عقلنا هذا بالروايات الصحيحة، والآثار العامة المحكمة؛ وآحاد أصحاب النبي ? والتابعين؛ وهلم جراً على ذلك، وكذلك التابعين من أهل العلم على شيء واحد لا يختلفون فيه، وكذلك في عهد الأوزاعي بالشام، وسفيان الثوري بالعراق، ومالك بن أنس بالحجاز، ومعمر باليمن، على ما فسرنا وبَيَّنَّا، أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.

وقال إسحاق: مَن تركَ الصلاةَ مُتَعَمِّدَاً حتى ذَهَبَ وقتُ الظُّهْرِ إلى المغرب، والمغرب إلى نصف الليل، فإنه كافرٌ بالله العظيم، يُستتابُ ثلاثةِ أيامٍ، فإن لم يرجعْ، وقال: تركها لا يكون كفراً، ضُرِبَتْ عُنُقُه -يعني تاركها. وقال ذلك - وأما إذا صلى وقال ذلك، فهذه مسألة اجتهاد، قال: واتبعهم على ما وصفنا من بعدهم من عصرنا هذا أهل العلم، إلا مَن باين الجماعة، واتبع الأهواء المختلفة، فأولئك قوم لا يَعبأُ الله بهم لما باينوا الجماعة.

سادساً: أئمة التابعين قائلون بأن الإيمان قول وعمل:

قال أبو عبيد القاسم بن سلام الإمام -وله كتاب مصنف في الإيمان، قال-: هذه تسميةُ مَن كان يقول: الإيمانُ قولٌ وعملٌ يزيدُ وينقصُ. من أهل مكة: عبيد بن عمير الليثي، عطاء بن أبي رباح، مجاهد بن جبر، ابن أبي مليكة، عمرو بن دينار، ابن أبي نجيح، عبيد الله بن عمر، عبدالله بن عمرو بن عثمان، عبدالملك بن جريح، نافع بن جبير، داود بن عبدالرحمن العطار، عبدالله بن رجاء.

ومن أهل المدينة: محمد بن شهاب الزهري، ربيعة بن أبي عبدالرحمن، أبو حازم الأعرج، سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف، يحيى بن سعيد الأنصاري، هشام بن عروة بن الزبير، عبيدالله بن عمر العمري، مالك بن أنس، محمد بن أبي ذئب، سليمان ابن بلال، عبدالعزيز بن عبدالله -يعني الماجشون-، عبدالعزيز بن أبي حازم.

ومن أهل اليمن: طاووس اليماني، وهب بن منبه، معمر بن راشد، عبدالرزاق بن همام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير