وتَنَبَّأَ مُسيْلمةُ الكذاب، واتبعه خَلْقٌ كثير، قاتلهم الصِّدِّيقُ والصحابة بعد موته حتى أعادوا من بقي منهم إلى الإسلام، ولم يأمر أحداً منهم بالقضاء، وكذلك سائر المرتدين بعد موته.
وكان أكثر البوادي قد ارتدوا ثم عادوا إلى الإسلام، ولم يأمر أحداً منهم بقضاء ما ترك من الصلاة، وقوله تعالى?قُلْ للذينَ كفروا إنْ ينتَهُوا يُغفرْ لهم ما قَد سَلَف? يتناولُ كلَّ كافر.
وإن قيل: إن هؤلاء لم يكونوا مرتدين، بل جُهَّالاً بالوجوب، وقد تقدم أن الأظهر في حق هؤلاء أن يستأنفوا الصلاة على الوجه المأمور، ولا قضاءَ عليهم، فهذا حكم من تركها غير مُعْتَقِدٍ لوجوبها.
وأما من اعتقد وجوبَها مع إصراره على الترك: فقد ذكر عليه المفرِّعُون من الفقهاء فروعاً:
أحدها هذا، فقيل عند جمهورهم: مالك والشافعي وأحمد. وإذا صبر حتى يُقْتَلَ فهل يُقْتلُ كافراً مُرتداً، أو فاسقاً كفُسَّاق المسلمين؟ على قولين مشهورين. حُكِيَا روايتين عن أحمد، وهذه الفروع لم تنقل عن الصحابة، وهي فروعٌ فاسدة، فإن كان مُقِراً بالصلاة في الباطن، معتقداً لوجوبها، يمتنع أن يصر على تركها حتى يُقتل، وهو لا يصلي هذا لا يُعْرفُ من بني آدم وعادتهم؛ ولهذا لم يقع هذا قط في الإسلام، ولا يُعْرف أن أحداً يعتقد وجوبها، ويُقالُ له إنْ لم تُصَلِّ وإلا قتلناك، وهو يُصِرُّ على تَرْكِها، مع إقراره بالوجوب، فهذا لم يقع قط في الإسلام.
ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل لم يكن في الباطن مقراً بوجوبها، ولا ملتزماً بفعلها، وهذا كافر باتفاق المسلمين، كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا، ودلَّتْ عليه النصوص الصحيحة. كقوله ?: " ليس بين العبد وبين الكفر إلا تَرْكُ الصلاة " رواه مسلم. وقوله: " العهدُ الذي بينَنَا وبينَهُم الصلاةُ فمَن تركها فقد كفر".
وقول عبدالله بن شقيق: كان أصحابُ محمدٍ لا يَرَوْن شيئاً من الأعمال تَرْكُهُ كفر إلا الصلاة، فمن كان مُصِرّاً على تركها حتى يموت لا يسجد لله سجدة قط، فهذا لا يكون مسلماً مُقِراً بوجوبها، فإن اعتقاد الوجوب، واعتقاد أن تاركها يستحق القتل هذا داعٍ تامٌّ إلى فِعلها، والداعي مع القُدرة يُوجب وجود المقدور، فإذا كان قادراً ولم يفعل قط علم أن الداعي في حقه لم يوجد. والاعتقاد التام لعقاب التارك باعث على الفعل، ولكن هذا قد يعارضه أحياناً أمور توجب تأخيرها وترك بعض واجباتها، وتفويتها أحياناً.
فأما من كان مُصِرّاً على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلماً؛ لكن أكثر الناس يُصَلُّون تارة، ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في السنن حديث عبادة عن النبي ? أن قال: " خمسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ على العبادِ في اليومِ والليلةِ، مَنْ حافَظَ عليهن كان له عَهْدٌ عندَ الله أنْ يُدْخِلَه الجنةَ، ومَنْ لم يحافظْ عليهن لم يكنْ له عَهْدٌ عندَ الله، إن شاءَ عَذَّبَهُ وإن شاءَ غَفَرَ له ".
فالمحافظ عليها الذي يصليها في مواقيتها، كما أمر الله تعالى، والذي ليس يُؤَخِّرُها أحياناً عن وقتها، أو يترك واجباتها، فهذا تحت مشيئة الله تعالى، وقد يكون لهذا نوافل يُكْمِلُ بها فَرَائِضَه، كما جاء في الحديث. أهـ
تفصيل المذاهب في كفر تارك الصلاة من كلام الشيخ محمد بن صالح العثيمين -حفظه الله-
حَقَّقَ فضيلةُ الشيخ محمد بن صالح العثيمين حُكمَ تاركِ الصلاة في شرحه الممتعِ على زاد المستقنعِ ننقلُه هنا بلفظه.
المتن: ?ومَنْ جَحَدَ وُجُوبَها كفَرَ، وكذا تارِكُها تَهَاوناً، ودعاهُ إمامٌ أو نائِبهُ فَأَصَرَّ وضاقَ وقتُ الثانيةِ عنها، ولا يُقْتَلْ حتى يستتابَ ثلاثاً فيهما?.
الشرح: قوله: (ومَنْ جَحَدَ وُجُوبَها) أي: وجوب الصلاة المجمع على وجوبها وهي: الصلوات الخمس والجمعة؛ لأنه مُكَذِّبٌ لله ورسوله وإجماع المسلمين القَطْعِي، فأي كفر أعظم من هذا؟ ! وحتى لو جحد وجوبها وصلَّى، وكذا لو جحد وجوبَ بعضها، وكذا لو جحد وجوب ركعة واحدة فإنه يكفر.
¥