تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما أقوال الصحابة: فإنها كثيرة، رُوِيَتْ عن ستة عشر صحابياً منهم عمر بن الخطاب، ونُقِلَ عن عبدالله بن شقيق وهو من التابعين عن أصحاب النبي ? عموماً القول بتكفير تارك الصلاة، فقال: كان أصحاب النبي ? لا يَرَوْنَ شيئاً من الأعمالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غير الصلاة. ولهذا حَكى الإجماعَ إسحاقُ بنُ راهوية الإمامُ المشهورُ فقال: ما زال الناسُ من عهدِ الصحابةِ يقولون إن تاركَ الصلاةِ كافر.

وأما النظر: فإنه يقال: إن كل إنسان عاقل في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان يداوم على ترك الصلاة، وهو يعلم بشأنها، وأنها فُرِضَتْ في أفضل مكان، وخُفِّفَتْ، ولا بد فيها من طهارة بدون خلاف بخلاف الأعمال الثانية فإن فيها خلافاً، ولا بد للإنسان أن يتخذ فيها زينة، فكيف يشهد أن لا إله إلا الله، ويحافظ على ترك الصلاة، إن كانت شهادةٌ كهذه تِستلزِمُ أن يَعْبُدَه في أعظمِ العباداتِ، فلا بُدَّ من تصديق القولِ بالفعل، فلا يمكن للإنسان أن يَدَّعي شيئاً وهو لا يفعلُه، بل هو كاذب عندنا، ولماذا نكفره في النصوص التي جاءت بتكفيره مع أنه يقول لا إله إلا الله، ولا نُكَفِّرُهُ في ترك الصلاة مع أن النصوص صريحة في كفره؟ ما هذا إلا تناقض، ولا يمكن أن نحمل نصوص التكفير على من تركها جاحداً وهو بنفسه لا يقول به، فإن الإنسانَ لو صلَّى الصلاة كاملة وهو جاحد فإنه كافر، ولهذا لما قيل للإمام أحمد في قوله تعالى:?ومن يَقتُلْ مُؤمِناً مُتَعَمِّدَاً? الآية: إن هذا فيمن استحل قَتْلَ المسلم قال: سبحان الله من استحل قتل المسلم فهو في النار سواء قتله أو لم يقتله، وهذا مثله، وأنت حملتَ الحديث على هذا فقد حَرَّفْتَهُ من وجهين:

أولاً: حملتَ دلالته على غير المراد، ثانياً: أبطلتَ دلالتَهُ فيمن جحدَ وهو يُصلِّي.

وهذا من باب الاعتقاد ثم الاستدلال، والذي يحكم بالكفر والإسلام هو الله عز وجل.

بقي أن يقال: هناك أحاديث تُعارضُ مَن يقول بالكفر؟ أولاً: يجب أن نعرف ما معنى المعارضة قبل أن نقول بها، ولهذا نقول: حَقِّقْ قَبْلَ أنْ تُنَمِّقْ، هل جاء حديث أو آية تقول: من ترك الصلاة فليس بكافر أو نحوه؟ لو جاءت على مثل هذا الوجه قلنا هذه معارضة، ولكن لم يأت. فالنصوص التي عارضوا بها تنقسم إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: ما لا دليل فيه أصلاً للمسألة مثل استدلال بعضهم بقول الله تعالى:?إنَّ اللهَ لا يَغفِرُ أنْ يُشركَ بِهِ ويَغفرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ? فإن معنى قوله:?ما دون ذلك? ما هو أقلُّ من ذلك، وليس معناه ما سوى ذلك، بدليل أنَّ من كذب بما أخبر الله به ورسوله فهو كافر كفراً لا يُغفرُ، وليس ذنبه من الشرك، ولو سَلَّمْنَا أن معنى?ما دون ذلك? ما سِوَى ذلك؛ لكانَ هذا من باب العامِّ المخصوص بالنصوص الدالة على الكفر بما سِوَى الشرك والكفر المُخْرِجِ عن الملة من الذَّنبِ الذي لا يُغفرُ، وإن لم يكن شركاً.

القسم الثاني: عامٌّ مخصوص بالأحاديث الدالَّة على كفر تاركِ الصلاة مثل قوله ? في حديث معاذ بن جبل: " ما من عبدٍ يَشهدُ أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسولُ اللهِ إلا حرَّمَهُ اللهُ على النارِ ". وهذا أحد ألفاظِه، وورد نحوه من حديثِ أبي هريرة وعبادة ابن الصامت وعتبان بن مالك ?.

القسم الثالث: عامٌّ مُقَيَّدٌ بما لا يمكن معه ترك الصلاة مثل: قوله ? في حديث عتبان بن مالك: " فإنَّ اللهَ حَرَّمَ على النارِ من قالَ لا إلهَ إلا اللهُ يَبْتَغي بذلكَ وجهَ اللهِ ". وقوله ? في حديث معاذ: " ما مِن أحدٍ يشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأن محمداً رسولُ اللهِ صِدْقاً من قلبهِ إلا حَرَّمَهُ اللهُ على النارِ ". فَتَقْييدُ الإتيانِ بالشهادتين بإخلاص القصدِ وصدقِ القلبِ يمنعُهُ من تَرْكِ الصلاةِ، إذ ما من شخص يَصْدُقُ في ذلك، ويُخْلِصُ إلا حَمَلَهُ صِدْقُهُ وإخلاصُهُ على فِعل الصلاة ولا بد، فإن الصلاة عمودُ الإسلام، وهي الصلةُ بين العبدِ وربه، فإذا كان صادقاً في ابتغاء وجهِ الله، فلا بد أن يفعل ما يُوصِلُه إلى ذلك، ويتجنب ما يحولُ بينه وبينه، وكذلك من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه فلا بد أن يحمله ذلك الصِّدْقُ على أداءِ الصلاةِ مُخْلِصاً بها للهِ تعالى مُتَّبِعاً فيها رسولَ اللهِ ?، لأن ذلك من مُستَلزَماتِ تلك الشهادةِ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير