تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرد على من قال: لا يُكَفَّرُ إلا السابُّ المستحل:

أحدها: أن الحكاية المذكورة عن الفقهاء أنه إن كان مستحلاً كفَرَ، وإلا فلا، ليس له أصل، وإنما نقلها القاضي من كتاب بعض المتكلمين الذين نقلوها عن الفقهاء، وهؤلاء نقلوا قول الفقهاء بما ظنوه جارياً على أصولهم، أو بما قد سمعوه من بعض المنتسبين إلى الفقه ممن لا يعدُّ قولُه قولاً، وقد حكينا نصوص أئمة الفقهاء وحكاية إجماعهم عمَّن هو من أعلم الناس بمذاهبهم، فلا يظن ظان أن في المسألة خلافاً يجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد، وإنما ذلك غلط، لا يستطيع أحد أن يحكي عن واحدٍ من الفقهاء أئمة الفتوى هذا التفصيل البتة.

الوجه الثاني: أن الكفر إذا كان هو الاستحلال فإنما معناه اعتقاد أن السبَّ حلال، فإنه لما اعتقد أن ما حرمه الله تعالى حلال كفر، ولا ريب أن من اعتقد في المحرمات المعلوم تحريمها أنه حلال كَفَرَ، لكن لا فرق في ذلك بين سبِّ النبيِّ وبين قذف المؤمنين والكذب عليه والغيبة لهم إلى غير ذلك من الأقوال التي علم أن الله حرمها؛ فإنه من فعل شيئاً من ذلك مستحلاً كفر، مع أنه لا يجوز أن يقال: من قذف مسلماً أو اغتابه كفر، ويعني بذلك إذا استحله.

والوجه الثالث: أن اعتقاد حل السبِّ كفرٌ، سواء اقترن به وجود السبِّ أو لم يقترن، فإذاً لا أثر للسب في التكفير وجوداً وعدماً، وإنما المؤثر هو الاعتقاد، وهو خلاف ما أجمع عليه العلماء.

الوجه الرابع: أنه إذا كان المكفر هو اعتقاد الحل فليس في السب ما يدل على أن الساب مستحل، فيجب أن لا يكفر، لا سيما إذا قال " أنا أعتقد أن هذا حرام، وإنما أقول غيظاً وسفهاً، أو عبثاً أو لعباً " كما قال المنافقون?إنما كنا نخوض ونلعب?.

وكما إذا قال: إنما قذفت هذا وكذبت عليه لعباً وعبثاً، فإن قيل لا يكونون كفاراً فهو خلاف نص القرآن، وإن قيل يكونون كفاراً فهو تكفير بغير موجب إذا لم يجعل نفس السبِّ مكفراً، وقول القائل: أنا لا أصدقه في هذا لا يستقيم؛ فإن التكفير لا يكون بأمر محتمل، فإذا كان قد قال: " أنا أعتقد أن ذلك ذنب ومعصية وأنا أفعله " فكيف يكفر إن لم يكن ذلك كفراً؟

ولهذا قال سبحانه?لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم? ولم يقل قد كذبتم في قولكم إنما كنا نخوض ونلعب، فلم يكذبهم في هذا العذر كما كذبهم في سائر ما أظهروه من العذر الذي يوجب براءتهم من الكفر لو كانوا صادقين، بل بين أنهم كفروا بعد إيمانهم بعد هذا الخوض واللعب.

الدليل على كفر السابِّ مطلقاً:

وإذا تبين أن مذهب سلف الأمة ومن اتبعهم من الخلف أن هذه المقالة في نفسها كفر استحلها صاحبها أو لم يستحلها فالدليلُ على ذلك جميع ما قدمناه في المسألة الأولى من الدليل على كفر السابِّ مثل قوله تعالى?ومنهم الذين يؤذون النبي? وقوله تعالى:?إن الذين يؤذون الله ورسوله? وقوله تعالى?لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم?.

ومما ذكرناه من الأحاديث والآثار فإنما هو أدلة بينة في أنَّ نفس أذى الله ورسوله كُفْر، مع قطع النظر عن اعتقاد التحريم وجوداً وعدماً: فلا حاجة إلى أن نعيد الكلام هنا بل في الحقيقة كلُّ ما دل على أن السابَّ كافر وأنه حلال الدم لكفره فقد دل على هذه المسألة؛ إذ لو كان الكفر المبيح هو اعتقاد أن السبَّ حلال لم يجز تكفيره وقتله، حتى يظهر هذا الاعتقاد ظهوراً تثبت بمثله الاعتقادات المُبيحَةُ للدماء.

شبهتان للمرجئة وللجهمية:

ومنشأ هذه الشبهة التي أوجبت هذا الوهم من المتكلمين ومن حذا حذوهم من الفقهاء أنهم رأوا أن الإيمان هو تصديق الرسول فيما أخبر به، ورأوا أن اعتقاد صدقِهِ لا ينافي السبَّ والشتم بالذات، كما أن اعتقاد إيجاب طاعته لا ينافي معصيته؛ فإن الإنسان قد يهينُ من يعتقد وجوب إكرامه، كما يتركُ ما يعتقد وجوب فعله، ويفعل ما عتقد وجوب تركه، ثم رأوا أن الأمة قد كفَّرت السابَّ، فقالوا: إنما كفر لأن سبه دليل على أنه لم يعتقد أنه حرام، واعتقادُ حلِّه تكذيب للرسول، فكفر بهذا التكذيب لا بتلك الإهانة، وإنما الإهانة دليل على التكذيب، فإذا فرض أنه في نفس الأمر ليس بمكذب كان في نفس الأمر مؤمناً، وإن كان حكم الظاهر إنما يجري عليه بما أظهره؛ فهذا مأخذ المرجئة ومعتضديهم، وهو الذين يقولون: " الإيمان هو الاعتقاد والقول "وغلاتهم وهم الكرامية الذين يقولون: " مجرد القول وإن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير