تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال القاضي عياض: " جميعُ من سبَّ النبي ? أو عابه أو ألْحَقَ به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو خَصْلة من خصاله أو عرض به شبهة بشيء على طريق السبِّ له والإزراء عليه أو البغض منه والعيب له فهو سابٌّ له، والحكم فيه حكم السابّ: يقتل، ولا تَسْتَثْنِ فصلاً من فصول هذا الباب عن هذا المقصد، ولا تَمْتَرِ فيه، تصريحاً كان أو تلويحاً، وكذلك من لعنه، أو تمنَّى مَضَرَّةً له، أو دعا عليه، أو نسب إليه ما لا يليقُ بمنصبه على طريق الذم، أو عيَّبه في جهته العزيزة بسُخْفٍ من الكلام وهُجْرٍ ومنكرٍ من القول وزورٍ، أو عيَّره بشيء مما يجري من البلاء والمحنة عليه، أو غَمَصَهُ ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهود لديه "، قال: " وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن أصحابه وهلم جراً ".

وقال ابن القاسم عن مالك: " من سبَّ النبي? قُتل، ولم يُستتب، قال ابن القاسم: أو شتمه، أو عابه، أو تنقصه، فإنه يقتل كالزنديق، وقد فَرَضَ الله توقيره.

وكذلك قال مالك في رواية المدنيين عنه: " من سبَّ رسولَ الله ? أو شتمه أو عابه أو تنقصه قُتل، مسلماً كان أو كافراً، ولا يستتاب ".

وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: " من قال إن رداء النبيِّ ? -وروي بُرْدَهُ- " وسخ " وأراد به عيْبَه قُتِل ".

وروى بعض المالكية: " إجماع العلماء على أن من دعا على نبيٍّ من الأنبياء بالويل أو بشيءٍ من المكروه أنه يقتل بلا استتابة ".

وذكر القاضي عياض أجوِبَةَ جَماعةٍ من فقهاء المالكية المشاهير بالقتل بلا استتابة في قضايا متعددة أفتى في كل قضية بعضهم:

منها: رجل سمع قوماً يتذاكرون صفة النبي ? إذ مرَّ بهم رجل قبيح الوجه واللحية، فقال: تريدون تعرفون صفته؟ هذا المار في خلقه ولحيته ".

ومنها: رجل قال: " النبيُّ ? أسْوَد ".

ومنها: رجل قيل له: " لا، وحق رسول الله " فقال: فعل الله برسول الله كذا وكذا، ثم قيل له: ما تقول يا عدو الله، فقال أشد من كلامه الأول، ثم قال: إنما أردت برسول الله العقرب، قالوا: لأن ادِّعاء التأويل في لفظٍ صُراح لا يقبل؛ لأنه امتهان، وهو غير مُعَزِّرٍ لرسول الله ولا مُوَقِّرٍ له، فوجبت إباحة دمه ".

ومنها عَشَّار قال: أدوا شك (؟) إلى النبي، أو قال: إن سألْتُ أو جهلْتُ فقد سئل النبي وجهل.

ومنها: مُتَفَقّهٌ كان يستخفُّ بالنبيِّ ?، ويسميه في أثناء مناظرته " اليتيم وخَتَنَ حَيْدَرة"، ويزعم أن زُهْدَه لم يكن قصداً، ولو قَدَرَ على الطيبات لأكلها، وأشباه هذا.

قال: فهذا الباب كله مما عدَّه العلماء سبّاً وتنقصاً، يجب قتل قائله، لم يختلف في ذلك متقدمهم ومتأخرهم، وإن اختلفوا في سبب حكم قتله.

وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه فيمن تنقصه أو برىء منه، أو كذبه: " إنه مرتد وكذلك قال أصحاب الشافعي: " كل من تعرَّض لرسول الله ? بما فيه استهانة فهو كالسبِّ الصريح؛ فإن الاستهانة بالنبيِّ كُفر، وهل يتحتم قتله أو يسقط بالتوبة؟ على الوجهين، وقد نصَّ الشافعيُّ على هذا المعنى.

فقد اتفقت نصوص العلماء من جميع الطوائف على أن التنقص له؛ كُفرٌ مبيحٌ للدم، وَهُمْ في استتابته على ما تقدم من الخلاف، ولا فرق في ذلك بين أن يقصد عيْبَه لكن المقصود شيء آخر حَصَلَ السبُّ تبعاً له أو لا يقصد شيئاً من ذلك، بل يهزل ويمزح أو يفعل غير ذلك.

فهذا كله يشترك في هذا الحكم إذا كان القولُ نفسُه سبّاً، فإن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يَهْوِي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب، ومن قال ما هو سبٌّ وتنقص له فقد آذى الله ورسوله، وهو مأخوذ بما يؤذي به الناسَ من القول الذي هو في نفسه أذى وإن لم يقصد أذاهم، ألم تسمع إلى الذين قالوا?إنما كنا نخوض ونلعب? فقال الله تعالى?أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم?.

وهذا مثل من يَغضبُ فيذكر له حديث النبيِّ ? أو حكم من حكمه أو يُدعى إلى سنته فيلعن ويقبح ونحو ذلك، وقد قال الله تعالى?فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما?.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير