تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأقسم سبحانه بنفسه أنهم لا يؤمنون حتى يحكموه ثم لا يجدوا في نفوسهم حرجاً من حُكمه؛ فمن شاجر غيره في حكم ... وحرج لذكر رسول الله ? حتى أفحش في منطقه فهو كافر بنصِّ التنزيل، ولا يُعذر بأن مقصودَه ردُّ الخصم؛ فإن الرجل لا يؤمن حتى يكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وحتى يكون الرسولُ أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين.

ومن هذا الباب قول القائل: إن هذه لَقِسمَةٌ ما أريد بها وجه الله، وقول الآخر: إعْدِلْ فإنكَ لَمْ تَعْدِلْ، وقول ذلك الأنصاري: أَنْ كانَ ابنَ عمَّتِكَ، فإن هذا كفر محض، حيث زعم أن النبي ? إنما حكم للزبير لأنه ابنُ عمَّتِهِ، ولذلك أنزل الله تعالى هذه الآية، وأقسم أنهم لا يؤمنون حتى لا يجدوا في أنفسهم حرجاً من حكمه، وإنما عفا عنه النبيُّ ? كما عفى عن الذي قال: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، وعن الذي قال: إعدل فإنك لم تعدل، وقد ذكرنا عن عمر ? أنه قتل رجلاً لم يرض بحكم النبي ?، فنزل القرآن بموافقته، فكيف بمن طعن في حكمه؟

وقد ذكر طائفة من الفقهاء -منهم ابن عقيل، وبعض أصحاب الشافعي- أن هذا كان عقوبته التعزير، ثم منهم من قال: لم يعزره النبيُّ ? لأن التعزير (غير) واجب، ومنهم من قال: عفا عنه لأن الحق له، ومنهم من قال: عاقبه بأن أمر الزبير أن يسقي ثم يَحْبِسَ الماء حتى يرجع إلى الجدر، وهذه أقوال رديِّةٌ، ولا يستريب من تأمل في أن هذا كان يستحق القتل بعد نص القرآن أن من هو بمثل حاله فليس بمؤمن.

فإن قيل: ففي رواية صحيحة أنه كان من أهل بدر، وفي الصحيحين عن علي عن النبي ? أنه قال: " وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعلموا ما شئتم فقد غفرت لكم " ولو كان هذا القول كفراً للزم أن يغفر الكفر، والكفر لا يغفر، ولا يقال عن بدري: إنه كفر.

فيقال: هذه الزيادة ذكرها أبو اليمان عن شعيب، ولم يذكرها أكثر الرواة؛ فيمكن أنه وَهم، كما وقع في حديث كعب وهلال بن أمية أنهما لم يشهدا بدراً، وكذلك لم يذكره ابن اسحاق في روايته عن الزهري، ولكن الظاهر صحتها.

فنقول: ليس في الحديث أن هذه القصة كانت بعد بدر، فلعلها كانت قبل بدر، وسمي الرجل بدرياً لأن عبدالله بن الزبير حدَّث بالقصة بعد أن صار الرجل بدرياً؛ فعن عبدالله بن الزبير عن أبيه أن رجلاً من الأنصار خاصمَ الزبير عند رسول الله ? في شَراجِ الحرة التي يسقُون بها النخل، فقال الأنصاري: سرِّحِ الماء يمر، فأبى عليه، فاختصما عند رسول الله ?، فقال رسول الله ? للزبير: " اسْقِ يازبير ثم أرسل الماء إلى جارِكَ "، فغضب الأنصاري ثم قال: يا رسول الله أن كان ابنَ عمَّتِك، فتلوَّن وجه النبي ?، ثم قال للزبير: " اسْقِ يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر " فقال الزبير: والله لأني أحسب هذه الآية نزلت في ذلك?فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكومك فيما شجر بينهم?.

وفي رواية للبخاري من حديث عُروة قال: فاسْتَوَعَى رسول الله ? حينئذ حقّه، وكان رسول الله ? قبل ذلك قد أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري، فلما أحْفَظَ الأنصاريُّ رسولَ الله ? استوعى رسولُ الله ? للزبير حقّه في صريح الحكم. وهذا يقوي أن القصة متقدمة قبل بدر؛ لأن النبيَّ ? قضى في سيل مهزور أن الأعلى يسقي ثم يحبس الماء حتى يبلغ الماء إلى الكعبين؛ فلو كانت قصة الزبير بعد هذا القضاء لكان قد عُلم وجه الحكم فيه، وهذا القضاء الظاهر أنه متقدم من حين قدم النبي?؛ لأن الحاجة إلى الحكم فيه من حين قدم، ولعل قصة الزبير أوجَبَتْ هذا القضاء.

وأيضاً فإن هؤلاء الآيات قد ذكر غير واحد أن أولها نزل لما أراد بعض المنافقين أن يحاكم يهودياً إلى ابن الأشرف، وهذا إنما كان قبل بدر لأن ابن الأشرف ذهب عقب بدر إلى مكة، فلما رجع قُتِل، فلم يستقر بعد بدر بالمدينة استقراراً يُتحاكم إليه فيه، وإن كانت القصة بعد بدر فإن القائل لهذه الكلمة يكون قد تاب واستغفر وقد عفا له النبي? عن حقه، فغفر له، والمضمون لأهل بدر إنما هو المغفرة: إما بأن يستغفروا إن كان الذنب مما لا يغفر إلا بالاستغفار أو لم يكن كذلك، وإما بدون أن يستغفروا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير