ولا أمن لعبد عصى الله إلا أن يؤمنه الله، ويعلمه مغفرته، وأما قبل ذلك فلا أمان أن يؤاخذ الله العبد بذنبه صغيراً كان أو كبيراً. ألا ترى أن الشهيد يرتهن في دين آدمي، والغال الذي غل شيئاً يسيراً (شراك نعل قد قيل له: شراك من نار)، والمرأة المسلمة المؤمنة قد تعذب في النار لأنها قالت لزوجها الذي أحسن إليها " ما رأيت منك خيراً قط" ... الخ.
وجميع الرسل غير نبينا محمد ? لا يجرؤ أحد منهم أن يتقدم يوم القيامة في شفاعة لأنه يخاف ذنباً له، وكلهم يقول: إن ربي (قد غضب الله اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله). ولا يجرؤ على الشفاعة يومئذ إلا من قال له الله تعالى:?إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ? لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا?. ولا أمن من المؤاخذة على الذنب لأحد يوم القيامة إلا بعد دخول الجنة، وقوله سبحانه لأهلها: " اليوم أحل لكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً ".
وأما قبل هذا اليوم -يوم دخول الجنة- فلا أمان لمن جاء يحمل ظلماً ...
الحالات التي يغفر الله فيها ذنب عبده بغير توبة من العبد:
أما الحالات التي يغفر الله فيها ذنب عبد من عباده من غير توبة من العبد فهي كما يأتي:
1) أن يكون ممن يجتنب كبائر الإثم فيغفر الله ما دون ذلك. قال تعالى:?إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا?.
2) أن يكون ممن يوالي بين الطاعات فيحافظ على صلاته صلاة بعد صلاة، ويصوم رمضان شهراً بعد شهر بغير تفريط، ويوالي بين الحج والعمرة، مرة بعد مرة. قال ?: «الصّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ. وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ. مُكَفّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنّ. إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ».
3) الطهارة بالماء طهاة من الذنب: قال تعالى:?إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ?. التوبة طهارة من الذنب، والماء طهارة للظاهر يجعلها الله كذلك طهارة للإثم، قال ?: «إِذَا تَوَضّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ (أَوِ الْمُؤْمِنُ) فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) حَتّى يَخْرُجَ نَقِيّاً مِنَ الذّنُوبِ».
4) الحسنات تمحو السيئات: قال تعالى:?وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْل إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ?.
فإذا فعل المسلم الطاعة بعد المعصية محت السيئة: قال رسول الله ?: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن». و قال رسولُ الله ?: «من حَلف فقال في حَلفه: واللاتِ والعُزّى، فليَقل: لا إله إلاّ الله. ومن قال لصاحِبِهِ: تعال أُقامِركَ، فلْيتصدّق».
فأرشد ? إلى الحسنة التي يكفر السيئة التي فيها، وأرشد النبي ? إلى التصدق مذكراً أنها كفارة بل من أعظم الكفارات فقال في معرض وعظه للنساء المعرضات إلى أنواع من الذنوب تدخل النار. قال ?: «يا مَعشرَ النساءِ تَصَدّقْنَ، فإني أُرِيتكُنّ أكثرَ أهلِ النارِ. فقُلنَ: وبمَ يا رسولَ اللّهِ؟ قال: تُكثرْنَ اللّعْنَ، وَتَكفُرْنَ العَشيرَ، ما رأيتُ من ناقِصاتِ عَقلٍ ودِينٍ أَذْهَبَ لِلُبّ الرّجُلِ الحازِم مِن إِحداكنّ. قلنَ وما نُقصانُ دِينِنا وعَقلِنا يا رسولَ اللّهِ؟ قال: أَلَيسَ شَهادةُ المرأةِ مِثلُ نِصفِ شَهادةِ الرجُل؟ قلن: بَلى. قال: فذلِكَ من نُقصان عَقلِها. أليسَ إِذا حاضَتْ لم تُصَلّ ولم تَصُمْ؟ قلن: بَلى. قال: فذلِك من نُقصانِ دِينِها». وقال ?: «والصّدَقَةُ تُطْفِىءُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِىءُ الْمَاءُ النارَ».
5) إحسان بإحسان:
¥