من أعظم أسباب مغفرة الذنب وعدم مؤاخذة الرب عبدَه عليه، أن يكون العبد محسناً رحيماً مسامحاً كريماً فيكافؤه الله إحساناً بإحسان فإذا كان العبد من أهل الرحمة والشفقة كافأه الله سبحانه وتعالى بأن يرحمه، ويقيل عثرته ويغفر ذنبه ولا يؤاخذه به. قال ?: «الرّاحِمُونَ يَرْحُمُهُمُ الرّحْمَنُ ارْحَمُوا من في الأرْضِ يَرْحَمُكُم مَنْ في السّماءِ». وإذا كان العبد يتجاوز عن من أساء إليه، ويغفر لمن ظلمه ولا يطالبه بحقه في الدنيا، ولا ينوي مطالبته في الآخرة. بل يسامح أخاه المسلم، كافأ الله هذا العبد بأن يغفر له ذنوبه في حق الرب جل وعلا؛ فإن جزاء الإحسان عند الله الإحسان: قال تعالى:?هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلاّ الإحْسَانُ?. وقال تعالى:?فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ?. وأعظم هذا الأجر أن يتجاوز الله لعبده عن ذنبه كما جاء في الحديث الصحيح. قال ?: «كان تاجِرٌ يُداينُ الناسَ، فإذا رأَى مُعسِراً قال لِفتيانهِ: تجاوَزُوا عنهُ لعلّ الله أن يَتجاوَزَ عنّا، فتَجاوَزَ الله عنه». فهذا العبد الذي كان يتجاوز عن المعسر تجاوز الله عن سيائته فغفر الله ذنوبه التي كانت أعظم من حسناته.
6) إخلاص التوحيد لله:
والعبد الذي يخلص توحيده لله فلا يعبد معه غيره، ولا يشرك به سواه، ولم ينو بعمله غير وجه الله يكافئه الله بمغفرة ذنوبه كما في الحديث قال?: «قالَ الله تَبَارَكَ وتعَالى: يا ابنَ آدَمَ إِنّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى ما كانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي. يا ابنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَت ذُنُوبُكَ عَنَانَ السّمَاءِ ثُمّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي. يا ابنَ آدَمَ إنّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطَايَا ثُمّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بي شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً».
…………
الكافر يأتي يوم القيامة ولا حسنة له:
الكافر والمشرك يأتي يوم القيامة ولا حسنة له. وذلك أن الكفر والشرك سيئة لا تنفع معها حسنة. قال تعالى:?وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا?.
وقال تعالى:?وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ?.
وقال أيضاً:?مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ?.
وإذا كان للكافر والمشرك من عمل نافع في الدنيا كبر الوالدين وصدق الحديث، وإكرام ضيف، ومساعدة محتاج ... الخ؛ فإن الله يكافئه به حسنة في الدنيا: في المال والصحة والولد ... الخ، حتى يأتي يوم القيامة ولا حسنة له.
تارك العمل اختياراً بغير ضرورة لا يدخل في باب واحد من أبواب الرحمة:
وإذا نظرنا في تارك العمل كله اختياراً لا اضطراراً وجدنا أنه لا يجوز أن يطلق عليه حكم الإسلام فإنه لم يصلِ، ولم يصمْ، ولم يزكِ، ولم يحجْ، وهذه أركان الإسلام التي لا يقوم الإسلام إلا عليها، ولا يسمى مؤمناً لأن الإيمان لو قام بقلبه لظهر أثره على الجوارح. فكيف يكون مؤمناً بالله ووعده ووعيده، ويوم القيامة من لم يصلِ لله ركعة مع قدرته على ذلك.
وتارك العمل ليس كذلك محسناً، بل هو أبعد الناس عن الإحسان ... والذي يغفر الله ذنوبهم ويتجاوز عن خطيئاتهم هم المحسنون والمؤمنون والمسلمون، ولذا فتارك العمل كله بغير ضرورة لم يكن مسلماً ولا مؤمناً ولا محسناً.
وإن ادعى أنه من أهل لا إله إلا الله فقد فعل ما يناقضها من ترك العمل. فمن شهد له أنه من أهل الجنة وأنه ممن تغفر ذنوبه تجرأ على القول بما يخالف القرآن والسنة وإجماع الصحابة وسلف الأمة. فإنه لم يأت نص قط يقول بأن تارك العمل اختياراً تناله الرحمة.
ـ[عبدالله بن عبدالرحمن]ــــــــ[16 - 04 - 03, 02:06 م]ـ
الباب الرابع: شبهات وجوابها
الشبهة الأولى: قولهم: إن أهل السنة يقولون " ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحلَّه ":
¥