تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يخلو المسلم من إيمان به يصح إسلامه، ولا يخلو المؤمن من إسلام به يحقق إيمانه من حيث اشترط الله للأعمال الصالحة الإيمان، واشترط للإيمان الأعمال الصالحة فقال في تحقيق ذلك:?فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه? (الأنبياء:94)

وقال في تحقيق الإيمان بالعمل:?ومن يؤته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى? (طه: 75) فمن كان ظاهره أعمال الإسلام ولا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب، فهو منافق نفاقاً ينقل عن الملة، ومن كان عقده الإيمان بالغيب، ولا يعمل بأحكام الإيمان، وشرائع الإسلام، فهو كافر كفراً لا يثبت معه توحيد، ومن كان مؤمناً بالغيب مما أخبرت به الرسل عن الله عاملاً بما أمر الله فهو مؤمن مسلم، ولولا أنه كذلك لكان المؤمن يجوز أن لا يسمى مسلماً، ولجاز أن المسلم لا يسمى مؤمناً بالله.

وقد أجمع أهل القبلة أن كل مؤمن مسلم، وكل مسلم مؤمن بالله وملائكته وكتبه قال: ومثل الإيمان في الأعمال كمثل القلب في الجسم لا ينفك أحدهما عن الآخر، لا يكون ذو جسم حي لا قلب له، ولا ذو قلب بغير جسم، فهما شيئان منفردان، وهما في الحكم والمعنى منفصلان، ومثلهما أيضاً مثل حبة لها ظاهر وباطن وهي واحدة. لا يقال: حبتان: لتفاوت صفتهما، فكذلك أعمال الإسلام من الإسلام هو ظاهر الإيمان، وهو من أعمال الجوارح، والإيمان باطن الإسلام، وهو من أعمال القلوب.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [الإسلام علانية، والإيمان في القلب]، وفي لفظ: [[الإيمان سر] فالإسلام أعمال الإيمان، والإيمان عقود الإسلام، فلا إيمان إلا بعمل، ولا عمل إلا بعقد، ومثل ذلك مثل العلم الظاهر والباطن، أحدهما مرتبط بصاحبه من أعمال القلوب وعمل الجوارح، ومثله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إنما الأعمال بالنيات] أي: لا عمل إلا بعقد وقصد، لأن [إنما] تحقيق للشيء ونفي لما سواه، فأثبت بذلك عمل الجوارح من المعاملات، وعمل القلوب من النيات، فمثل العمل من الإيمان كمثل الشفتين من اللسان لا يصح الكلام إلا بهما، لأن الشفتين تجمع الحروف، واللسان يظهر الكلام، وفي سقوط أحدهما بطلان الكلام، وكذلك في سقوط العمل ذهاب الإيمان، ولذلك حين عدد الله نعمه على الإنسان بالكلام ذكر الشفتين مع اللسان في قوله:?ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين? (البلد: 8،9) بمعنى ألم نجعله ناظراً متكلماً، فعبر عن الكلام باللسان والشفتين، لأنهما مكان له، وذكر الشفتين لأن الكلام الذي جرت به النعمة لا يتم إلا بهما.

ومثل الإيمان والإسلام أيضاً كفسطاط قائم في الأرض له ظاهر وأطناب، وله عمود في باطنه، فالفسطاط مثل الإسلام، له أركان من أعمال العلانية والجوارح، وهي الأطناب التي تمسك أرجاء الفسطاط والعمود الذي في وسط الفسطاط، مثله كالإيمان لا قوام للفسطاط إلا به، فقد احتاج الفسطاط إليها، إذ لا قوام له ولا قوة إلا بها، كذلك الإسلام في أعمال الجوارح لا قوام له إلا بالإيمان، والإيمان من أعمال القلوب، لا نفع له إلا بالإسلام، وهو صالح الأعمال.

وأيضاً فإن الله قد جعل ضد الإسلام والإيمان واحداً، فلولا أنهما كشيء واحد في الحكم والمعنى ما كان ضدهما واحداً فقال:?كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم? (آل عمران: 86) وقال:?أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون? (آل عمران: 80) فجعل ضدهما الكفر.

قال: على مثل هذا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، والإسلام من صنف واحد، فقال في حديث ابن عمر: [بني الإسلام على خمس]، وقال في حديث ابن عباس عن وفد عبد القيس أنهم سألوه عن الإيمان فذكر هذه الأوصاف، فدل بذلك على أنه لا إيمان باطن إلا بإسلام ظاهر ولا إسلام ظاهر علانية إلا بإيمان سر، وأن الإيمان والعمل قرينان لا ينفع أحدهما بدون صاحبه.

قال: فأما تفرقة النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل بين الإيمان والإسلام، فإن ذلك تفصيل أعمال القلوب وعقودها على ما توجب هذه المعاني التي وصفناها أن تكون علانية، لا أن ذلك يفرق بين الإسلام والإيمان في المعني باختلاف تضاد، ليس فيه دليل أنهما مختلفان في الحكم، قال: ويجتمعان في عبد واحد مسلم مؤمن، فيكون ما ذكره من عقود القلب وصف قلبه، وما ذكره من العلانية وصف جسمه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير