قال: " وأيضاً فإن الأمة مجتمعة أن العبد لو آمن بجميع ما ذكره من عقود القلب في حديث جبريل من وصف الإيمان ولم يعمل بما ذكره من وصف الإسلام أنه لا يسمى مؤمناً، وأنه إن عمل بجميع ما وصف به الإسلام، ثم لم يعتقد ما وصفه من الإيمان أنه لا يكون مسلماً، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة لا تجتمع على ضلالة".
قلت: أي شيخ الإسلام رحمه الله: " كأنه أراد بذلك إجماع الصحابة ومن اتبعهم، أو أنه لا يُسَمَّى مؤمناً في الأحكام، وأنه لا يكون مسلماً إذا أنكر بعض هذه الأركان، وأو علم أن الرسول أخبر بها، ولم يصدقه، أو أنه لم يرى خلاف أهل الأهواء خلافاً. وإلا فأبو طالب كان عارفاً بأقوالهم. وهذا والله أعلم مراده ".
تحقيق الإمام ابن القيم - رحمه الله - مسألة كفر تارك الصلاة.
قال رحمه الله: " وأما (المسألة الثالثة) وهو أنه هل يقتل حداً كما يقتل المحارب والزاني أم يقتل كما يقتل المرتد والزنديق؟ هذا فيه قولان للعلماء، وهما روايتان عن الإمام أحمد
(إحداهما) يقتل كما يقتل المرتد. وهذا قول سعيد بن جبير، وعامر الشعبي، وإبراهيم النخعي، وأبي عمرو الأوزاعي، وأيوب السختياني، وعبدالله بن المبارك وإسحاق بن راهويه، وعبد الملك بن حبيب من المالكية وأحد الوجهين في مذهب الشافعي، وحكاه الطحاوي عن الشافعي نفسه، وحكاه أبو محمد ابن حزم عن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة.
و (الثانية): يقتل حداً لا كفراً وهو قول مالك والشافعي واختار أبو عبد الله ابن بطة هذه الرواية.
ونحن نذكر حجج الفريقين:
قال الذين لا يكفرونه بتركها: قد ثبت له حكم الإسلام بالدخول فيه، فلا نخرجه عنه إلا بيقين، قالوا: وقد روى عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل] (أخرجاه في الصحيحين).
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ومعاذ رديفه على الرحل: [يا معاذ] قال: لبيك يا رسول الله وسعديك (ثلاثاً) قال: [ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا حرمه الله على النار]. قال: يا رسول الله، أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: [إذا يتكلوا] فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً. (متفق على صحته).
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه] (رواه البخاري).
وعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بآية من القرآن يرددها حتى صلاة الغداة وقال: [دعوت لأمتي، وأجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم تركوا الصلاة] فقال أبو ذر: أفلا أبشر الناس؟ قال: [بلى] فانطلق، فقال عمر: إنك إن تبعث إلى الناس بهذا يتكلوا عن العبادة. فناداه أن ارجع، فرجع والآية?إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم? (المائدة: 118). (رواه الإمام أحمد في مسنده).
وفي المسند أيضاً من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الدواوين عند الله ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئاً، وديوان لا يترك الله منه شيئاً، وديوان لا يغفره الله. فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك، قال الله عز وجل?إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة? (المائدة:72)، وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه: من صوم تركه، أو صلاة تركها، فإن الله عز وجل يغفر ذلك ويتجاوز عنه إن شاء. وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً فظلم العباد بعضهم بعضاً، القصاص لا محالة].
وفي المسند أيضاً عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد: إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له].
¥