وفي المسند أيضاً من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله: [أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة المكتوبة فإن أتمها وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك] (رواه أهل السنن وقال الترمذي هذا حديث حسن).
قالوا: وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: [من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة]. وفي لفظ آخر [من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة].
وفي الصحيح قصة عتبان بن مالك وفيها [إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله].
وفي حديث الشفاعة [يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي، لأخرجن من النار من قال لا إله إلا الله]. وفيه [فيخرج من النار من لم يعمل خيراً قط].
وفي السنن والمسانيد قصة صاحب البطاقة الذي ينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مد البصر، ثم تخرج له بطاقة فيها شهادة أن لا إله إلا الله فترجح سيئاته، ولم يذكر في البطاقة غير الشهادة، لو كان فيها غيرها لقال: ثم تخرج صحائف حسناته فتوزن سيئاته. ويكفينا في هذا قوله [فيخرج من النار من لم يعمل خيراً قط] ولو كان كافراً لكان مخلداً في النار غير خارج منها.
وهذه الأحاديث وغيرها تمنع من التكفير والتخليد. وتوجب من الرجاء له ما يرجى لسائر أهل الكبائر. قالوا: ولأن الكفر جحود التوحيد وإنكار الرسالة والمعاد جحد ما جاء به الرسول. وهذا يقر بالوحدانية شاهداً أن محمداً رسول الله مؤمناً بأن الله يبعث من في القبور فكيف يحكم بكفره؟ والإيمان هو التصديق وضده التكذيب لا ترك العمل، فكيف يحكم للمصدق بحكم المكذب الجاحد؟
قال المكفرون: الذين رويت عنهم هذه الأحاديث التي استدللتم بها على عدم تكفير تارك الصلاة هم الذين حفظ عنهم من الصحابة تكفير تارك الصلاة بأعيانهم.
قال أبو محمد بن حزم: وقد جاء عن عمر وعبدالرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد. قالوا: ولا نعلم لهؤلاء مخالفاً من الصحابة، وقد دل على كفر تارك الصلاة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة.
أما الكتاب فقد قال تعالى:?أفنجعل المسلمين كالمجرمين، ما لكم كيف تحكمون* أم لكم كتاب فيه تدرسون* إن لكم فيه لما تخيرون* أم لكم إيمان بالغة يوم القيامة? إلى قوله?يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون* خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة، وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون? (القلم: 35،43).
فوجه الدلالة من الآية أنه سبحانه أخبر أنه لا يجعل المسلمين كالمجرمين، وأن هذا الأمر لا يليق بحكمته ولا بحكمه. ثم ذكر أحوال المجرمين الذين هم ضد المسلمين فقال:?يوم يكشف عن ساق? وأنهم يدعون إلى السجود لربهم تبارك وتعالى فيحال بينهم وبينه فلا يستطيعون السجود مع المسلمين عقوبة لهم على ترك السجود له مع المصلين في دار الدنيا. وهذا يدل على أنهم مع الكفار والمنافقين الذين تبقى ظهورهم إذا سجد المسلمون كميامن البقر، ولو كانوا من المسلمين لأذن لهم بالسجود كما أذن للمسلمين.
الدليل الثاني: قوله تعالى?كل نفس بما كسبت رهينة، إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين. ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين، وكنا نكذب بيوم الدين. حتى أتانا اليقين? (المدثر: 38)
فلا يخلوا إما أن يكون كل واحد من هذه الخصال هو الذي سلكهم في سقر وجعلهم من المجرمين أو مجموعها، فإن كان كل واحد منها مستقلاً بذلك فالدلالة ظاهرة، وإن كان مجموع الأمور الأربعة فهذا إنما هو لتغليظ كفرهم وعقوبتهم، وإلا فكل واحد منها مقتض للعقوبة، إذ لا يجوز أن يضم ما لا تأثير له في العقوبة إلى ما هو مستقل بها. ومن المعلوم أن ترك الصلاة وما ذكر معه ليس شرطاً في العقوبة على التكذيب بيوم الدين، بل هو وحده كاف في العقوبة. فدل على أن كل وصف ذكر معه كذلك، إذ لا يمكن قائلاً أن يقول لا يعذب إلا من جمع هذه الصفات الأربعة، فإذا كان كل واحد منها موجباً للإجرام - وقد جعل الله سبحانه المجرمين ضد المسلمين - كان تارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر.
¥