فالمراد بقوله (قولوا) أي بقلوبكم وألسنتكم. ولذلك لا ينصرف القول إلى القول باللسان فقط إلا عندما يقيد قال تعالى (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) (آل عمران 167) وهي صريحة في أن القول يكون بالقلب واللسان ولذلك أهل السنة عندما يقولون في كتبهم الإيمان قول فهو شامل لامرين قول القلب وقول اللسان.
و أما دلالته على دخول ما يكون بالجوارح في مسمى الإيمان ففي قوله (أدناها إماطة الأذى عن الطريق) وهذا يدل على الدخول الأعمال في مسمى الإيمان. فإماطة الأذى عمل يقوم به الإنسان وهو جزء من الإيمان وشعبة ومن شعبه.
و أما دلالته على دخول ما يكون بالقلب في مسمى الإيمان ففي قوله (والحياء شعبة من الإيمان) والحياء عمل من أعمال القلوب , وهو داخل في مسمى الإيمان , فالخشية والتوكل والرغبة والرهبة وغيرها من الأعمال القلبية المأمور بها كلها داخله في مسمى الإيمان.
(على قول النبي مصرح) (مصرح) مبتدأ مؤخر خبره شبه جمله (على قول النبي) وهذه الأمر الثلاثة مصرح بها كما قال الناظم في قول النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة فمن قال بذلك فقوله مبني على ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم , ومما يدل دلاله صريحة على دخول الأعمال في مسمى الإيمان حديث وفد عبد القيس وهو ثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لوفد عبد القيس (أمركم بأربع: الإيمان بالله وهل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا اله إلا الله و اقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وان تعطوا من مغانم الخمس) (4) وهو صريح في الدخول العمل فقحي مسمى الإيمان ,والنصوص في هذا المعنى كثيرة
ـــــــــ
(1) البخاري برقم2946 , ومسلم برقم21
(2) البخاري برقم 1 , ومسلم 1907
(3) البخاري برقم 9 , ومسلم 35
(4) البخاري برقم 53 , ومسلم برقم 17
ـ[العوضي]ــــــــ[12 - 09 - 03, 01:58 م]ـ
30 - ويَنْقُصُ طوراً بالمَعَاصِي وتَارةً --- بِطَاعَتِهِ يَمْنَي وفي الوَزْنِ يَرْجَحُ
(وينقص طورا ... ) أي الإيمان ينقص تارة , ففي هذا البيت يقرر الناظم إن الإيمان يزيد وينقص ويقوي ويضعف.
أما الزيادة فمصرح بها القران. قال تعالى (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (التوبة 124)
وقال تعالى (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا) (مريم 76)
وقال تعالى (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) (الإسراء 109) والهدى والخشوع من الإيمان.
و أما النقصان فمصرح به في السنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما رأيت من ناقصات عقل ودين ... ) (1) وهذا النقص لا تحاسب عليه المرأة , لأنها مأمورة بترك الصلاة والصيام وقت الحيض , وقوله صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده , فان لم يستطع فبلسانه , فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان) (2)
وقد جاءت آثار عن الصحابة الصريحة في أن الإيمان يزيد وينقص , فعن عمير بن حبيب الخطمي انه قال: الإيمان يزيد وينقص. قيل وما زيادته ونقصانه؟ قال إذا ذكرنا الله وحمدناه وسبحانه فتلك زيادته، وإذا غفلنا و نسينا فذلك نقصانه.
و في هذا الباب ورد عنهم وعن السلف عموما آثار كثيرة , بل هو محل الإجماع و موضع اتفاق
(بطاعته ينمي) أي أن الإيمان يزيد بطاعة الله , يقال: نم ينمي نميا ونماء , أي: زاد وكثر , وفي نسخة: (بطاعته ينمو) وهو بمعناه يقال: نما ينمو نموا , أي: زاد وكثر. قال في اللسان: " نمي: النماء: الزيادة. نمي ينمي نميا ونماء: زاد وكثر, وربما قالوا ينمو نموا " (3).
(و في الوزن يرجح) أي انه في الميزان يوم القيامة يثقل , لزيادته بالطاعات و البعد عن معاصيه.
وفي هذين البيتين بين الناظم أمرين حول عقيدة أهل السنه في الإيمان هما:
1ـ أن الإيمان قول وعمل.
2ـ انه يزيد وينقص.
فالأول فيه رد على المرجئة , والثاني فيه رد على المرجئة وكذلك على الخوارج والمعتزلة الذين يقولون أن الإيمان شيء واحد , لا يزيد ولا ينقص , والذي افسد على جميع هؤلاء دينهم هو اعتقادهم أن الإيمان كل واحد لا يتجزأ , إذا ذهب بعضه ذهب كله.
ثم أن الإيمان يزيد بأمور ينبغي على المسلم أن يحرص عليها ليزداد إيمانه منها: تدبر القران , و معرفة أسماء الله وصفاته , والتفكر في آيات الله و مخلوقاته , ودراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم , وسير الأخبار من المؤمنين , والاجتهاد في فعل الطاعات , وينقص بأمر ينبغي على المسلم أن يحذرها ليسلم إيمانه منها: اتباع خطوات الشياطين , و طاعة النفس الأمارة بالسوء, والافتتان بالدنيا ومخالطة أهل الشر والفساد , والغفلة والإعراض , والانسياق وراء الشهوات.
والمسلم العاقل ينصح لنفسه في إيمانه لتثقل به موازينه يوم لقاء الله عز وجل ( ... فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف 8).
والناظم رحمه الله يشير إلى0 هذا المعنى عندما قال (وفي الوزن يرجح).
وإلى اللقاء في البيت الحادي والثلاثون
ــــــــــــــــــــــ
1 - البخاري برقم 304 , ومسلم برقم 79
2 - مسلم برقم 49
3 - لسان العرب لابن منظور 8/ 4551
¥