وأما التشابه الذى يعمه فهو ضد الإختلاف المنفى عنه فى قوله (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا)
وهو الاختلاف المذكور فى قوله (إنكم لفى قول مختلف يؤفك عنه من افك)
فالتشابه هنا هو تماثل الكلام وتناسبه بحيث يصدق بعضه بعضا فاذا أمر بأمر لم يأمر بنقيضه فى موضع آخر بل يأمر به أو بنظيره أو بملزوماته
واذا نهى عن شىء لم يأمر به فى موضع آخر بل ينهى عنه أو عن نظيره أو عن ملزوماته إذا لم يكن هناك نسخ
وكذلك إذا اخبر بثبوت شىء لم يخبر بنقيض ذلك بل يخبر بثبوته أو بثبوت ملزوماته واذا اخبر بنفى شىء لم يثبته بل ينفيه أو ينفى لوازمه بخلاف القول المختلف الذى ينقض بعضه بعضا فيثبت الشىء تارة وينفيه أخرى أو يأمر به وينهى عنه فى وقت واحد ويفرق بين المتماثلين فيمدح أحدهما ويذم الآخر
فالأقوال المختلفة هنا هى المتضادة والمتشابهة هى المتوافقة
وهذا التشابه يكون فى المعانى وان اختلفت الألفاظ فاذا كانت المعانى يوافق بعضها بعضا ويعضد بعضها بعضا ويناسب بعضها بعضا ويشهد بعضها لبعض ويقتضى بعضها بعضا كان الكلام متشابها بخلاف الكلام المتناقض الذى يضاد بعضه بعضا
فهذا التشابه العام لا ينافى الإحكام العام بل هو مصدق له فإن الكلام المحكم المتقن يصدق بعضه بعضا لا يناقض بعضه بعضا بخلاف الإحكام الخاص فإنه ضد (التشابه الخاص)
(والتشابه الخاص) هو مشابهة الشىء لغيره من وجه مع مخالفته له من وجه آخر بحيث يشتبه على بعض الناس أنه هو أو هو مثله وليس كذلك
(والإحكام) هو الفصل بينهما بحيث لا يشتبه أحدهما بالآخر وهذا التشابه إنما يكون بقدر مشترك بين الشيئين مع وجود الفاصل بينهما
ثم من الناس من لا يهتدى للفصل بينهما فيكون مشتبها عليه ومنهم من يهتدى الى ذلك فالتشابه الذى لا يتميز معه قد يكون من الامور النسبية الإضافية بحيث يشتبه على بعض الناس دون بعض
ومثل هذا يعرف منه أهل العلم ما يزيل عنهم هذا الإشتباه كما اذا اشتبه على بعض الناس ما وعدوا به فى الآخرة بما يشهدونه فى الدنيا فظن أنه مثله فعلم العلماء أنه ليس مثله وان كان مشبها له من بعض الوجوه
ومن هذا الباب الشبه التى يضل بها بعض الناس وهى ما يشتبه فيها الحق والباطل حتى تشتبه على بعض الناس
((ومن أوتى العلم بالفصل بين هذا وهذا لم يشتبه عليه الحق بالباطل)) والقياس الفاسد إنما هو من باب الشبهات لأنه تشبيه للشىء فى بعض الأمور بما لا يشبهه فيه
فمن عرف الفصل بين الشيئين إهتدى للفرق الذى يزول به الإشتباه والقياس الفاسد
وما من شيئين إلا ويجتمعان فى شىء ويفترقان فى شىء فبينهما اشتباه من وجه وإفتراق من وجه فلهذا كان ضلال بنى آدم من قبل التشابه والقياس الفاسد لا ينضبط كما قال الإمام أحمد أكثر ما يخطىء الناس من جهة التأويل والقياس
فالتأويل فى الأدلة السمعية والقياس فى الأدلة العقلية وهو كما قال والتأويل الخطأ إنما يكون فى الألفاظ المتشابهة والقياس الخطأ إنما يكون فى المعانى المتشابهة) انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله في الصواعق المرسلة (2/ 722) (الوجه الخامس والستون
إن الله سبحانه قسم الأدلة السمعية إلى قسمين محكم ومتشابه وجعل المحكم أصلا للمتشابه وأمّا له يرد إليه ((فما خالف ظاهر المحكم فهو متشابه)) يرد إلى المحكم
(((وقد اتفق المسلمون على هذا)))
وأن المحكم هو الأصل والمتشابه مردود إليه وأصحاب هذا القانون جعلوا الأصل المحكم ما يدعونه من العقليات وجعلوا القرآن كله مردودا إليه فما خالفه فهو متشابه وما وافقه فهو المحكم ولم يبق عند أهل القانون في القرآن محكم يرد إليه المتشابه ولا هو أمّ الكتاب وأصله) انتهى.
قال الراغب الأصفهاني في المفردات (
فالمحكم: ما لا يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ، ولا من حيث المعنى. والمتشابه على أضرب تذكر في بابه إن شاء الله (انظر: باب (شبه)).
وقال
والمتشابه من القرآن: ما أشكل تفسيره لمشابهته بغيره؛ إما من حيث اللفظ، أو من حيث المعنى، فقال الفقهاء: المتشابه: ما لا ينبئ ظاهره عن مراده
¥