(((فان أقواما جعلوا ذلك عاماً؛ فاستعملوا من الهجر والأنكار ما لم يؤمروا به)))، فلا يجب ولا يستحب، وربما تركوا به واجبات أو مستحبات، وفعلوا به محرمات.
وآخرون أعرضوا عن ذلك بالكلية فلم يهجروا ما أمروا بهجره من السيئات البدعية بل تركوها ترك المعرض لا ترك المنتهى الكاره، أو وقعوا فيها.
وقد يتركونها ترك المنتهى الكاره ولا ينهون عنها غيرهم ولا يعاقبون بالهجرة ونحوها من يستحق العقوبة عليها؛ فيكونون قد ضيعوا من النهى عن المنكر ما أمروا به إيجابا أو إستحبابا.
فهم بين فعل المنكر أو ترك النهى عنه وذلك فعل مانهوا عنه وترك ما أمروا به فهذا هذا.
ودين الله وسط بين الغالى فيه والجافى عنه والله سبحانه أعلم)).
@ وقال في (28/ 216): ((وأما هجر التعزير فمثل هجر النبى وأصحابه الثلاثة الذين خلفوا وهجر عمر والمسلمين لصبيغ فهذا من نوع العقوبات.
فإذا كان يحصل بهذا الهجر حصول معروف، أو اندفاع منكر = فهى مشروعة.
وان كان يحصل بها من الفساد ما يزيد على فساد الذنب = فليست مشروعة، والله أعلم)).
@ وقال رحمه الله في (28/ 221): ((واذا كان مبتدعا يدعوا والى عقائد تخالف الكتاب والسنة، أو يسلك طريقا يخالف الكتاب والسنة، ويخاف ان يضل الرجل الناس بذلك = بيَّن أمره للناس؛ ليتقوا ضلاله ويعلموا حاله.
وهذا كله يجب ان يكون على وجه النصح وابتغاء وجه الله تعالى، لا لهوى الشخص مع الأنسان؛ مثل ان يكون بينهما عداوة دنيوية، أو تحاسد، أو تباغض، أو تنازع على الرئاسة.
فيتكلم بمساويه مظهرا للنصح، وقصده فى الباطن الغض من الشخص واستيفاؤه منه.
فهذا من عمل الشيطان و انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى.
بل يكون الناصح قصده ان الله يصلح ذلك الشخص، وان يكفى المسلمين ضرره فى دينهم ودنياهم، ويسلك فى هذا المقصود ايسر الطرق التى تمكنه)).
@ وقال رحمه الله في الفتاوى (24/ 174): ((وصح عنه أنه قال: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذى يبدأ بالسلام)).
نعم ... صح عنه أنه هجر كعب بن مالك وصاحبيه رضى الله عنهم؛ لما تخلفوا عن غزوة تبوك وظهرت معصيتهم وخيف عليهم النفاق.
فهجرهم وأمر المسلمين بهجرهم، حتى أمرهم باعتزال أزواجهم من غير طلاق خمسين ليلة، إلى أن نزلت توبتهم من السماء.
وكذلك أمر عمر رضي الله عنه المسلمين بهجر صبيغ بن عسل التميمى لما رآه من الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب إلى أن مضى عليه حول وتبين صدقه فى التوبة فأمر المسلمين بمراجعته.
فبهذا ونحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ ((من المظهرين للبدع، الداعين إليها والمظهرين للكبائر)).
فأما من كان مستترا بمعصية أو مسرا لبدعة غير مكفرة فان هذا لا يهجر.
وإنما يهجر الداعى إلى البدعة.
إذ الهجر نوع من العقوبة وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولا أو عملا.
وأما من أظهر لنا خيرا فإنا نقبل علانيته ونكل سريرته إلى الله تعالى؛ فإن غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبى صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله لما جاءوا إليه عام تبوك يحلفون ويعتذرون.
ولهذا كان الإمام احمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمة كمالك وغيره لا يقبلون رواية الداعى إلى بدعة ولا يجالسونه بخلاف الساكت.
وقد أخرج أصحاب الصحيح عن جماعات ممن رمي ببدعة من الساكتين ولم يخرجوا عن الدعاة إلى البدع.
والذى أوجب هذا الكلام أن وفدكم حدثونا بأشياء من الفرقة والاختلاف بينكم حتى ذكروا ان الأمر آل إلى قريب المقاتلة.
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
والله هو المسؤول أن يؤلف بين قلوبنا وقلوبكم ويصلح ذات بيننا ويهدينا سبل السلام)).
@ قال أبو عمر السمرقندي: هذه الفرقة وقرب المقاتلة التي أشار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية هو ما حصل في بقاع كثيرة من بلاد العالم - حتى في المراكز الإسلامية في أوربا - بين المسمين؛ لأجل فتاوى طيَّارة تأتي عبر الهاتف وغيره من بعض من قلَّ عندهم العلم والورع والعقل، من المنتحلين - زعموا - للجرح والتعديل بغياً وعدواناً على أهل الصلاح والخير.
¥