تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالآية أوجبت الإيمان بوجود استواء حقيقى لا نعلم كيفيته ويجب أن نسلم لله به، وعلى ذلك فإن معتقد الإمام مالك الذى يمثل مذهب السلف الصالح هو تفويض العلم بالكيفية فقط إلى اللَّه، أما المعنى فهو معلوم ظاهر من لغة العرب ومراد من مفهوم الآية، وهذا واضح بيِّن فى كلامه حيث قال: الاستواء غير مجهول أى معلوم المعنى، والكيف غير معقول أى مجهول للعقل البشرى بسبب عجزه عن إدراكه.

ومن ثم لو قلنا كما قال الخلف من الأشعرية بأن مالكا فوض العلم بالمعنى لا الكيفية فإن هذا يماثل قول القائل: إن كلام اللَّه بلا معنى، وهذا اللازم لم يتنبه له من زعم أن مذهب السلف هو تفويض معانى النصوص لجهلهم بحقيقة المذهب السلفى فلا نظن أن أحدهم يعتقد ذلك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه معقبا على قول مالك فى الاستواء:

(وقد تلقى الناس هذا الكلام بالقبول فليس فى أهل السنة من ينكره وقد بين أن الاستواء معلوم كما أن سائر ما أخبر به معلوم ولكن الكيفية لا تعلم ولا يجوز السؤال عنها، لا يقال: كيف استوى؟ ولم يقل مالك رحمه الله الكيف معدوم وإنما قال الكيف مجهول) (1).

وإلحاقا بالموضوع يأتى هذا البحث الذى يتناول العلاقة بين فهم المحكم والمتشابه وأثر ذلك على قضية التفويض، وقد قسمته بعد المقدمة إلى مبحثين وخاتمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجموعة الرسائل الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيميه حـ2، رسالة الإكليل ص33.

المبحث الأول عن المحكم والمتشابه بين السلف والخلف، والمبحث الثانى عن العلاقة بين فهم المحكم والمتشابه وقضية التفويض.

وفى ختام هذه المقدمة فإننا نحسن الظن بمن قال بالتفويض فى صدق نيتهم ورغبتهم فى الدفاع عن دين اللَّه ولهم العذر إن شاء اللَّه، فهم على الأغلب لم يطالعوا مذهب السلف ابتداء ولا درسوه دراسة علمية متأنية، فالأشعرية اليوم يمثلون الأغلبية فى العالم الإسلامى، ليس عن رغبة معتنقيه من أهل العلم فى هذا المذهب، ولكن لكونه واقعا مفروضا فى المؤسسات التعليمية فى مرحلة التلقى والتعليم منذ الصغر، فهذا المذهب الذى يطلق عليه معتنقوه مذهب أهل السنة مازال مقررا فى المدارس والجامعات فى أغلب البلاد الإسلامية.

وطالب العلم يدخل منذ نعومة أظفاره إلى المدارس والمعاهد وهو خالى الذهن فيجد مقررا غريبا فى مادة التوحيد، ويجد المدرسين يلقنونه ويحفظونه أنواعا من التوحيد مبنية على أدلة عقلية بعيدة عن الطريقة السلفية المعتمدة على الكتاب والسنة، ويستمر الطالب فى دراسته حتى يصبح أستاذا جامعيا وهو يجهل حقيقة مذهب السلف.

ولو نوقش فى ذلك إما أن يستنكف عن الخضوع للحق لأنه أستاذ صاحب هيبة ومكانة، وقبول الحق عنده يعنى إقراره بلوازم يصعب تصورها أو الالتزام بها وإما يزداد إصرارا على صدق الطريقة الأشعرية ويتمادى فى الدفاع عنها بحجج عقلية حتى يستحيل معه النقاش.

والحق يقال أن بعض من يقوم على التدريس للطلاب أو يلخص لهم بعض ما جاء فى المقررات أو الكتاب، ربما يشعر بشئ من المسئولية عند فهمه للطريقة السلفية، فينبه طلابه على أن ما يدرسونه يجب أن يكون للنجاح فى الامتحان وليس للاعتقاد والإيمان الذى يقابل به رب العزة والجلال يوم القيامة، وقد رأيت ذلك بعينى فى بعض الملخصات الخارجية مما أثلج صدرى وأثار فى نفسى العجب والاستغراب.

المبحث الأول

المحكم والمتشابه بين السلف والخلف

السَّلف لغة هو الماضى كقوله تعالى:

? فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ ? [البقرة:275]، وقوله: ? وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ ? [النساء:22].

قال ابن منظور: (سلف يسلف سلفا مثال طلب يطلب طلبا أي مضى، والقوم السلاف المتقدمون، سلف الرجل آباؤه المتقدمون والجمع أسلاف سلاف، وقال ابن بري سلاف: ليس بجمع لسلف وإنما هو جمع سالف للمتقدم، وجمع سالف أيضا سلف ومثله خالف وخلف، ويجيء السلف على معان القرض والسلم وكل عمل قدمه العبد) (1).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير