المحكم لغة:
الحكم العلم والفقه والقضاء بالعدل وهو مصدر حكم يحكم، والمحكم الذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب فعيل بمعنى مفعل أحكم فهو محكم، وفي حديث ابن عباس: (قرأت المحكم على عهد رسول الله S ) (3) يريد المفصل من القرآن لأنه لم ينسخ منه شيء، وقيل: هو ما لم يكن متشابها لأنه أحكم بيانه بنفسه ولم يفتقر إلى غيره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري 13/ 253، نشر دار المعرفة بيروت 1379هـ.
(2) رواه البخارى بسنده عن سعيد بن جبير قال: وقال ابن عباس: (ثم توفي رسول الله S وأنا بن عشر سنين وقد قرأت المحكم) (4748) 4/ 1922.
(3) لسان العرب 12/ 141.
والمتشابه لغة: أشبه الشىء الشىء ماثله، وشابهه أشبه، تشابه الشيئان أشبه كل منهما الآخر حتى التبسا (1).
والمتشابه اصطلاحا يراد به عدة إطلاقات عند العلماء:
أحدها: ما لم يأت فى القرآن بلفظه البتة مما يقصده علماء القرآن من وقوع النظم الواحد على صور شتى، تتشابه فى أمور وتختلف فى أخرى، ومن ثم يطلقون عليه متشابه النظم أو متشابه اللفظ (2).
قال الزركشى فى البرهان: (ويكثر فى إيراد القصص والأنباء، وحكمته التصرف فى الكلام وإتيانه على ضروب ليعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك مبتدأ به ومتكرر) (3).
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: ? وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ? [البقرة:48]، مع قوله: ? وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ? [البقرة:123].
الثاني: أن يطلق المتشابه صفة مدح لجميع القرآن، ولفظ المتشابه بهذا المعنى هو الوارد فى قوله تعالى: ? اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّه ِ? [الزمر:23].
أما تبيان كيف أن المتشابه بهذا الإطلاق نعت كمال لجميع القرآن، فإنه من الجلى أن صوغ مادة التشابه فى هذه الآية يقضى بأن الكتاب الكريم ذو أجزاء كلها يشبه بعضها بعضا من حيث الصحة والإحكام والبناء على الحق والصدق ومنفعته الخلق، وتناسب ألفاظه وتناسقهما فى التخير والإصابة، وتجاوب نظمه ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف، ط3، 1/ 490.
(2) الاتقان فى علوم القرآن تأليف جلال الدين السيوطى 3/ 390، طبعة مصطفى البابى الحلبى القاهرة سنة 1354هـ.
(3) البرهان فى علوم القرآن للإمام بدر الدين الزركشى 1/ 112، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، طبعة دار المعرفة، بيروت سنة 1972م.
وتأليفه فى الإعجاز والتبكيت (1).
والتشابه بهذا المعنى الذى يعم جميع القرآن على نحو ما رأينا لا يتنافى بحال مع وصف الإحكام المذكور فى قوله تعالى: ? الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ? [هود:1]، والذى يعم هو الآخر القرآن الكريم بأسره، بل يجب الأخد بكلا الوصفين جميعا فى كتاب الله عز وجل دون أن يأتى كلام الحق فى ذلك باطل من بين يديه أو من خلفه.
ذلك بأن التناقض إنما يلزم إذا كان بين المادتين فى هاتين الآيتين تقابل التضاد وكيف وكل منهم صفة مدح لا يمكن أن تدل على ما يضاد الأخرى، وإنما على ما يؤيدهما ويشد من أزرهما، وبانطوائهما معا فى صفته شاهد صدقه وآية تنزيل رب العالمين.
وأما الإحكام فمعناه أن آى القرآن كلها قد نظمت نظما محكما لا يعتريه إخلال من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ولا من جهة الهدف والغاية، أو أنها أحكمت بالحجج والدلائل، أو جعلت حكمة، فنقول: حُكِم إذا صار محكما، لأنها مشتملة على أمهات الحكم النظرية والعملية، وإذن فالقرآن بهذا المعنى محكم فى تشابهه، متشابه فى إحكامه (2).
¥