وقال أحمد الرفاعى فى المحكم والمتشابه: (فعاملوا الله بحسن النيات واتقوه في الحركات والسكنات وصونوا عقائدكم من التمسك بظاهر ما تشابه من الكتاب والسنة لأن ذلك من أصول الكفر، قال تعالى: ? فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِه ِ ? والواجب عليكم وعلى كل مكلف في المتشابه الإيمان بأنه من عند الله أنزله على عبده سيدنا رسول الله وما كلفنا سبحانه وتعالى تفصيل علم تأويله، قال جلت عظمته: ? وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 163، دار الفكر بيروت سنة 1401هـ.
(2) لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد، تحقيق بدر بن عبد الله البدر ص 8:7، نشر الدار السلفية الكويت 1406هـ.
كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ? فسبيل المتقين من السلف تنزيه الله تعالى عما دل عليه ظاهره وتفويض معناه المراد منه إلى الحق تعالى وتقدس وبهذا سلامة الدين) (1).
فهؤلاء يدعون إلى ترك التأويل والبعد عن طريقة الخلف، ويزعمون أن طريقة السلف هى الكف عن طلب معانى نصوص الصفات، ويجعلون ذلك سبيل المتقين ظنا منهم أنها تدل على التشبيه وظاهرها باطل، فلا هم فهموا طريقة السلف ولا صوبوا طريقة الخلف.
ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هؤلاء الذين يفضلون طريقة الخلف من المتفلسفة ومن حذا حذوهم على طريقة السلف إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هى مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم:
? وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ ? [البقرة:78].
وأن طريقة الخلف هى استخراج معانى النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات، فهذا الظن الفاسد أوجب قولهم: طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم، تلك المقالة التى مضمونها نبذ الاسلام وراء الظهر وقد كذبوا على طريقة السلف وضلوا فى تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف فى الكذب عليهم وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف (2).
وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس فى نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص بالشبهات الفاسدة، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات فى نفس الأمر، وكان مع ذلك لابد للنصوص من معنى، بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى وهى التى يسمونها طريقة السلف، وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع تكلف وهى التى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البرهان المؤيد لأحمد بن علي بن ثابت الرفاعي الحسيني 1/ 15، تحقيق عبد الغني نكهمي نشر دار الكتاب النفيس بيروت 1408هـ.
(2) مجموع الفتاوى 5/ 9 بتصرف.
يسمونها طريقة الخلف، فصار هذا الباطل مركبا من فساد العقل وتعطيل السمع فإن النفى إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وهى شبهات، والسمع حرفوا فيه الكلم عن مواضعه، فلما ابتنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكاذبتين كانت النتيجة استجهال السابقين الأولين واستبلاههم، واعتقاد أنهم كانوا قوما أميين، بمنزلة الصالحين من العامة لم يتبحروا فى حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهى، وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق فى هذا كله (1).
والحقيقة أن الفهم السلفى لمسألة المحكم والمتشابه التى وردت فى آية آل عمران يتسم بالدقة ويتسق مع اعتقادهم فى التوحيد لا سيما توحيد الصفات، فهم لما آمنوا بصفات حقيقية جاءت بها الأدلة السمعية وفرقوا بين فهم المعنى الذى حواه اللفظ العربى وفهم الكيفية وفقوا فى تفسير المحكم والمتشابه.
فإذا كان المحكم هو المعلوم الواضح المعنى وكان المتشابه عكس المحكم وهو المجهول الذى لا يعلم على نحو ما تقدم، فإنهم يعتبرون معانى نصوص الصفات محكمات، والكيفية من المتشابهات التى لا يعلمها إلا الله.
فإذا كان معنى النص معلوما والكيفية التى دل عليها معلومة أيضا كانت الآية محكمة لأهل العلم على تفاوتهم فى المعرفة والفهم كما هو الحال فى جميع آيات الأحكام.
¥