تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإن كان المعنى معلوما والكيف مجهولا كان النص محكم المعنى متشابه الكيف وإذا قيل فى عرفهم هذا النص متشابه فيحمل على هذا المعنى أى أنه متشابه باعتبار الكيف لا المعنى.

والنتيجة التى نصل إليها من هذا الفهم أن القرآن جميعه محكم المعنى لقوله تعالى عن جميع آيات القرآن:

? الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ? [هود:1].

أى أحكمت باعتبار المعنى فليس فى القرآن كلام بلا معنى، أما من جهة الكيفية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) السابق 5/ 9 بتصرف.

التى دلت عليها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فبعضها محكم معلوم وبعضها متشابه مجهول، وهذا المقصود بقول الإمام مالك رحمه الله: الاستواء معلوم والكيف مجهول، وهو المعنى المشار إليه فى قوله تعالى: ? هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ? [آل عمران:7].

فلو سأل سائل عن استواء الله الذى ورد فى قوله تعالى: ? الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ? [طه/5] هل هو من المحكمات أم من المتشابهات؟ قيل له الاستواء محكم المعنى متشابه الكيف.

فما عاينه الإنسان من الكيفيات التى تتعلق بالمخلوقات والتى دلت عليها ألفاظ الآيات ككيفية أداء الصلوات والزكاة والصيام وأفعال الحج وما شابه ذلك فهذا محكم المعنى والكيفية، فلو سأل مسلم أعجمى لا يعرف العربية عن معنى الصلاة فى قوله تعالى:

? الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ? [البقرة/3]؟

لقيل له بلسانه: الصلاة أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، فيسأل عن كيفية أدائها؟ فيقال له: أمرنا رسول اللَّه S بأن نحاكيه تماما فى الكيفية فقال مبينا ذلك:

(وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ) (1).

أما إذا كان المعنى معلوما والكيف الذى دل عليه المعنى مجهولا، كانت الآية من المتشابه باعتبار الكيف لا المعنى، كما فى جميع الأدلة التى وردت فى عالم الغيب، فالجنة مثلا سمعنا عن وجود ألوان النعيم فيها، وأخبرنا اللَّه بذلك فى كتابه وسنة نبيه S ، وعلى الرغم من ذلك قال رسول اللَّه S عن كيفية ألوان النعيم فيها:

(قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخارى فى كتاب الآذان برقم (631).

خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ:

? فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ? [السجدة:17]) (1).

فتأمل قوله: لا عين رأت ولا أذن سمعت ماذا يعنى؟ هل يعنى معنى الآيات أم الكيفية التى دلت عليها؟ فإن قيل المعنى فخطأ لأننا سمعنا به فى الكتاب والسنة كما أن المعنى لا يرى بعين البصر وإنما يدرك بالبصيرة، وإن قيل الكيف فصواب لأننا لم نره ولم نر له مثيلا.

فالمتشابه كيفية الموجودات فى الجنة لا المعنى الذى يدل عليها، وعلى ذلك فجميع آيات الصفات محكمة المعنى متشابهة فى الكيفية فقط، فلا يدخل فى المتشابه معانى الآيات التى وصف اللَّه بها نفسه كما اعتقد الخلف مذهب السلف وإلا كانت هذه الآيات بلا معنى، فقوله تعالى: ? وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ? أى باعتبار الكيف لا المعنى.

وجميع آيات القرآن لها معنى معلوم عند الراسخين فى العلم حسب اجتهادهم فى تحصيله، وعليه جاء قول ابن عباس ? فى آية آل عمران: (أنا من الراسخين فى العلم) (2).

فالمتشابه هو الذى استأثر اللَّه بعلمه من الأمور الغيبية التى لا يعلمها إلا هو والتى أخبرنا بها فى كتابه، ومن ثم فإن القرآن كله محكم باعتبار المعنى الذى دل عليه اللفظ وباعتبار الكيفية ففيه المحكم والمتشابه.

قال ابن تيميه رحمه اللَّه معقبا على قوله تعالى: ? كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ? [ص:29]، (وهذا يعم الآيات المحكمات والآيات المتشابهات وما لا يعقل له معنى لا يتدبر) (3).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير