وقال أيضا فى قوله تعالى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3244).
(2) انظر تفسير ابن جرير الطبرى 6/ 170.
(3) انظر رسالة الإكليل ضمن مجموعة الرسائل 2/ 8.
? أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ? [محمد:24].
(فلم يستثن شيئا منه نهى عن تدبره، واللَّه ورسوله S إنما ذم من اتبع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، فأما من تدبر المحكم والمتشابه كما أمره اللَّه وطلب فهمه ومعرفة معناه فلم يذمه اللَّه بل أمر بذلك ومدح عليه) (1).
وقد ذكر أن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحد منهم عن تفسير آية من كتاب اللَّه وقال هذه من المتشابه الذى لا يعلم معناه، ولا قال قط أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة المتبوعين أن فى القرآن آيات لا تعلم معناها ولا يفهمها رسول اللَّه S ولا أهل العلم والإيمان جميعهم، وإنما قد ينفون علم بعض الناس وهذا لا ريب فيه (2).
ويذكر ابن القيم رحمه الله أننا لو قلنا كما قال الخلف إن قوله تعالى: ? وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ ? يتناول المعنى يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص ولا الصحابة والتابعون لهم بإحسان، بل يقرأون كلاما لا يعقلون معناه، فهم متناقضون أفحش تناقض، فإنهم يقولون النصوص تجري على ظاهرها وتأويلها باطل ثم يقولون لها تأويل لا يعلمه إلا الله (3).
وقول هؤلاء باطل فإن الله سبحانه أمر بتدبر كتابه وتفهمه وتعقله، وأخبر أنه بيان وهدى وشفاء لما في الصدور، وحاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، ومن أعظم الاختلاف اختلافهم في باب الصفات والقدر والأفعال، واللفظ الذي لا يعلم ما أراد به المتكلم لا يحصل به حكم ولا هدى ولا شفاء ولا بيان (4).
وهؤلاء لم يفهموا مراد السلف بقولهم لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله، فإن التأويل في عرف السلف المراد به التأويل في مثل قوله تعالى: ? هَلْ يَنظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر السابق 2/ 8.
(2) انظر السابق 2/ 15 بتصرف.
(3) انظر الصواعق المرسلة 3/ 921 بتصرف.
(4) انظر السابق 3/ 921 بتصرف.
يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ? [لأعراف:53].
وقوله تعالى: ? وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ? [يوسف:100].
فتأويل الكلام الطلبي هو نفس فعل المأمور به والمنهي عنه كما قالت عائشة رضى الله عنها: (كَانَ النَّبِيُّ S يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ) (1).
وأما تأويل ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر فهو نفس الحقيقة التي أخبر الله عنها، وذلك في حق الله هو كنه ذاته وصفاته التي لا يعلمها غيره، ولهذا قال مالك وربيعة الاستواء معلوم والكيف مجهول) (2).
وفى رده على الخلف فى زعمهم أن آيات الصفات من المتشابه الذى لا يعلم معناه إلا الله يذكر ابن القيم أن التشابه والإحكام نوعان، تشابه وإحكام يعم الكتاب كله وتشابه وإحكام يخص بعضه دون بعض، فإن أردتم بتشابه آيات الصفات النوع الأول فنعم هي متشابهة غير متناقضة يشبه بعضها بعضا وكذلك آيات الأحكام، وإن أردتم أنه يشتبه المراد بها بغير المراد فهذا وإن كان يعرض لبعض الناس فهو أمر نسبي إضافي، فيكون متشابها بالنسبة إليه دون غيره ولا فرق في هذا بين آيات الأحكام وآيات الصفات، فإن المراد قد يشتبه فيهما بغيره على بعض الناس دون بعض، وقد تنازع الناس في المحكم والمتشابه تنازعا كثيرا ولم يعرف عن أحد من الصحابة قط أن المتشابهات آيات الصفات، بل المنقول عنهم يدل على خلاف ذلك، فكيف تكون آيات الصفات متشابهة عندهم وهم لا يتنازعون في شيء منها وآيات الأحكام هي المحكمة وقد وقع بينهم النزاع في بعضها؟ (3).
والمقصود أنه لا يجوز أن يكون الله أنزل كلاما لا معنى له، و لا يجوز أن يكون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخارى فى كتاب الأذان (817).
¥