فالوقف على قوله: ? وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ? لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار وإن لم يحيطوا علما بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه) (1). ويمكن تلخيص موقف السلف والخلف من المحكم والمتشابه وأثره على آيات الصفت من خلال الشكل الآتى:
كيفية الصفة معنى الصفة آيات الصفات
متشابه محكم موقف السلف
غير موجودة متشابه موقف الخلف
وهذا الموقف لكل من السلف والخلف سوف يؤثر على فهم قضية التفويض فى الصفات لإلهية كما سنرى فى المبحث التالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السابق 1/ 348.
المبحث الثانى
العلاقة بين فهم المحكم والمتشابه وقضية التفويض.
• مذهب الخلف فى نصوص الصفات:
يعتقد الخلف من الأشعرية والماتردية أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى وردت فى الصفات الخبرية موهمة للتشبيه والجسمية وظاهرها باطل غير مراد، فإما أن تؤول وإما أنها من أخبار الآحاد التى لا تفيد اليقين فى أمور الاعتقاد (1).
وقد بنو ذلك على أصول عقلية زعموا أنها أمور يقينية واعتبروها أصول الدين والفيصل المبين فى النظر إلى كتاب الله وسنة رسوله S ، فما وافق تلك الأصول من النصوص والآيات فهو دليل لهم، وما خالف أصولهم وتقسيمهم للتوحيد فينبغى التعامل معه بأى وسيلة وأن يبذل المرء لها كل حيلة، إما بادعاء مجاز أو تأويل أو تهوين وتعطيل أو تقبيحها فى نفس السامع حتى تبدو ضربا من المستحيل المهم أن يقر بأن ظاهرها الذى ورد فى التنزيل باطل ومستحيل ويجب صرفه إلى شئ آخر.
فالتوحيد عندهم مبنى على قولهم: إن الله واحد فى ذاته لا قسيم له، وواحد فى صفاته لا شبيه له، وواحد فى أفعاله لا شريك له، وهم يدرجون تحت شعار أنه لا ينقسم نفي علو الله على خلقه ومباينته لمصنوعاته ونفى ما ينفونه من صفاته ويقولون: إن إثبات ذلك يقتضي أن يكون مركبا منقسما مشابها للحوادث (2).
يقول الرازى وهو من أعمدة المذهب الأشعرى فى نفى علو الله على خلقه وتعطيل استوائه على عرشه: (لو كان الله مختصا بالمكان لكان الجانب الذى فى ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ــ انظر بتصرف رسالة التوحيد للشيخ محمد عبده ص 17 وما بعدها، نشر مطابع دار الكتاب العربي 1966م، وكتاب أصول الدين ص63، لجمال الدين أحمد بن محمد بن سعيد تحقيق عمر وفيق الداعوق، نشر دار البشائر الإسلامية، بيروت سنة 1998.
(2) ــ درء تعارض العقل والنقل 1/ 225 وما بعدها بتصرف.
يمينه يلى ما على يساره، فيكون مركبا منقسما فلا يكون أحدا فى الحقيقة، فيبطل قوله: ? قل هو الله أحد ?) (1).
وهم لما نفوا الاستواء وعطلوا علو الفوقية بهذه الحجج العقلية ساءت سمعتهم عند عامة المسلمين، فالله يقول صراحة هو على العرش وهم يقولون صراحة ليس على العرش، فما المخرج من هذه المأزق الذى وضعوا أنفسهم فيه؟ والجواب فى قول أحدهم:
(لو سئلنا عن قوله تعالى: ? الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ?، لقلنا المراد بالاستواء القهر والغلبة والعلو، ومنه قول العرب استوى فلان على المملكة أي استعلى عليها واطردت له، ومنه قول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق) (2).
وهذا تحريف للكلم عن مواضعه فى ثوب التأويل، فالتأويل يقبل إن كان بدليل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ــ انظر أساس التقديس الفخر الرازى ص 203.
(2) ــ انظر لمع الأدلة في قواعد أهل السنة والجماعة ص 108 بتصرف، والشاعر هو الأخطل النصرانى الحاقد على الإسلام والمسلمين، قال ابن كثير فى التعقيب على هذا البيت: ((هذا البيت تستدل به الجهمية على أن الاستواء بمعنى الاستيلاء، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه وليس فى بيت هذا النصرانى حجة ولا دليل على ذلك، ولا أراد الله عز وجل باستوائه على عرشه استيلاءه عليه، ولا نجد أضعف من حجج الجهمية حتى أداهم الإفلاس من الحجج إلى بيت هذا النصرانى المقبوح)) انظر البداية والنهاية 9/ 295.
والعجب كل العجب أن قوة احتجاج الأشعرية بهذا البيت على نفى الاستواء أقوى من قوة الاحتجاج بكلام الله على إثباته، مع أن الأخطل النصرانى المشرك هو القائل فى شعره مستهزءا بالصلاة والصيام والأضاحى:
¥